شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٢١٣

الأشراف من العرب ومن قريش على الموالي والعجم، واستمل من تخاف خلافه من الناس.
فقال لهم متعجبا منكرا: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله؟ ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس، ويهينه عند الله، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه، ولا عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم، فإن زلت به النعل يوما فاحتاج إلى خدمتهم فشر خدين وألأم خليل، إنه لا يسعنا أن نعطي أحدا أكثر من حقه، إن هذا المال ليس لي وليس لكم. ولكنه مال الله يقسم بين الناس بالسوية فلا فضل لأحد على أحد.
فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين أنت تنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، ورأوا صنائع من أهل الغنى فباعوا أنفسهم وأكثرهم يشتري الباطل، فإن تبذل المال يمل إليك أعناق الرجال ويستخلص ودهم.
فرد الإمام: أما ما ذكرت من عملنا ومسيرتنا فإن الله عز وجل يقول: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد)، وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف. وأما ما ذكرت أن الحق ثقل عليهم ففارقونا، فعلم الله أنهم لم يفارقونا عن جور، ولا لجأوا إلى عدل. وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتي أحدا من المال فوق حقه.
وقد عليه أخوه عقيل بن أبي طالب من المدينة فقال له: ما أقدمك يا أخي؟ قال:
تأخر العطاء عنا، وغلاء السعر ببلدنا، وركبني دين عظيم، فجئت لتصلني.
فقال علي: والله ما لي مما ترى شيئا إلا عطائي، فإذا خرج فهو لك.
قال عقيل: أشخوصي من الحجاز إليك من أجل عطائك؟ وماذا يبلغ مني عطاؤك وما يدفع من حاجتي؟
فقال الإمام: هل تعلم لي ما لا غيره؟ أم تريد أن يحرقني الله في نار جهنم في صلتك بأموال المسلمين؟ وما بقي من نفقتنا في ينبع غير دراهم معدودة، والله يا أخي إني لأستحي من الله أن يكون ذنب أعظم من عفوي أو جهل أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري، أو خلة لا يسدها جودي.
فلما ألح عقيل عليه، قال لرجل: خذ بيد أخي عقيل وانطلق إلى حوانيت أهل السوق، فقل له: دق هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت.
فقال عقيل: أتريد إن تتخذني سارقا؟
فقال الإمام: وأنت تريد أن تتخذني سارقا؟ أن آخذ من أموال المسلمين فأعطيكها دونهم.
فقال: والله لأخرجن إلى رجل هو أوصل لي منك. لآتين معاوية.
فقال الإمام: أنت وذاك، راشدا مهديا.
فلما قدم على معاوية، رحب به وقال: مرحبا وأهلا بك يا عقيل بن أبي طالب، ما أقدمك علي؟ قال: قدمت لدين عظيم ركبني، فخرجت إلى أخي ليصلني فزعم أنه ليس له مما يلي إلا عطاؤه، فلم يقع ذلك مني موقعا، ولم يسد مني مسدا، فأخبرته أني سأخرج إلى رجل هو أوصل منه لي، فجئتك.
فازداد معاوية فيه رغبة، وقال للناس: يا أهل الشام هذا سيد قريش وابن سيدها، عرف الذي فيه أخوه من الغواية والضلالة، لجاءني، ولكني أزعم أن جميع ما تحت يدي لي، فما أعطيت فقربة إلى الله، وما أمسكت فلا جناح لي عليه.
ثم قال لعقيل: يا عقيل بن أبي طالب هذه مائة ألف تقضي بها ديونك، ومائة ألف تصل بها رحمك، ومائة ألف توسع بها على نفسك.
فوقف عقيل فقال: صدقت، لقد خرجت من عند أخي علي هذا القول، وقد عرفت من في عسكره، لم أفقد والله رجلا من أهل بدر ولا المهاجرين والأنصار، ولا والله ما رأيت من معسكر معاوية رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال معاوية: يا أهل الشام أعظم الناس من قريش عليكم حقا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد قريش، وها هو ذا تبرأ مما عمله أخوه.
وضج أهل الشام استحسانا لما يقوله معاوية.
وعجب عقيل، كيف يفقهون وكيف يسومهم معاوية؟
إنهم ليلغون عقولهم وأسماعهم وأبصارهم، ولا يعون أو يفقهون أو يسمعون أو يبصرون إلا ما يريده معاوية.
فوقف عقيل يقول: أيها الناس، إني أردت أخي عليا على دينه فاختار دينه، وإني أردت معاوية على دينه، فاختارني على دينه.
وشعر معاوية أن بعض رؤساء العرب قد فهموا عن عقيل، وأنهم قد يشرحون لسواهم من غير العرب من أهل الشام، ففض الناس، وأمرهم أن يتجهزوا للزحف إلى العراق، ليغنموا أرضه الشاسعة الخصبة وأمواله الطائلة ونساءه الحسان.
ووجد معاوية أحد رؤساء العرب يسخر من كل هذا، وينظر إلى معاوية وعمرو شزرا فسأله: لم أحببت عليا علينا؟ فقال: لثلاث خصال: حلمه إذا غضب، وصدقه إذا قال، وعدله إذا حكم.
وكان عليه السلام قد تعود أن يأخذ الجزية والخراج (الضرائب) من أهل كل صنعة وعمل، حتى ليأخذ من أهل الأبر والمال والخيوط والحبال ثم يقسمهم بين الناس. وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه، بل يقسمه إلا أن يغلبه مشغل فيصبح إليه. وكان يكنس بيت المال بعد أن يفرع من توزيع ما فيه، ويتخذه مسجدا يصلي فيه.
وقد كانت له بالكوفة امرأتان، فإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم، وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم، وكان ينفق هذه النفقة من شئ يأتيه من الحجاز. وكان يوصي كل عامل يوليه على الخراج: لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم، ولا تتبعن لهم رزقا، ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعملون عليها، ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم، فقال له أحد عماله: يا أمير المؤمنين إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك؟.
قال الإمام: أمرنا نأخذ منهم الفضل (ما زاد عن الحاجة).
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 213 213 213 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مستدرك ترجمة الإمام على عليه السلام 3
2 مستدرك ألقابه عليه السلام وكناه الشريفة 32
3 مولد علي عليه السلام 33
4 تزويج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء عليهما السلام 41
5 حديث: علمني ألف باب يفتح من كل باب ألف باب 50
6 حديث: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى على تسعة 57
7 كلام ابن عباس في علم علي عليه السلام 57
8 حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها 58
9 حديث: سلوني قبل أن تفقدوني 58
10 قول على عليه السلام: سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض 68
11 جوابه عليه السلام لليهود 69
12 لأمير المؤمنين علم ظاهر كتاب الله وباطنه 70
13 أول من وضع علم النحو علي بن أبى طالب عليه السلام 77
14 علمه عليه السلام بالجفر 87
15 ما ورد أن أمير المؤمنين كان أفرض أهل المدينة وأقضاها 93
16 مستدرك أقضى الأمة علي عليه السلام 101
17 حديثه وحديث ابن عباس في ذلك 101
18 حديث جابر وأنس بن مالك 102
19 حديث عبد الله بن مسعود 103
20 قول عمر علي أقضانا 106
21 قصة زبية الأسد وقضاء علي عليه السلام 120
22 قضاؤه عليه السلام في الأرغفة 125
23 أمر علي عليه السلام الزوجين أن يبعثا حكما من أهلهما 129
24 من أقضيته عليه السلام 131
25 أول من فرق الخصوم علي عليه السلام 173
26 جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة 173
27 قضاؤه في الخنثى المشكل سأله معاوية 174
28 قضاؤه في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة ولدت 175
29 عدل علي عليه السلام في الحكومة 189
30 ما ورد في زهد أمير المؤمنين وعدله وإنفاقه في سبيل الله تعالى 212
31 من عدله أمره بكنس بيت المال ثم ينضحه ويصلى فيه ولم يحبس فيه المال عن المسلمين 250
32 زهد علي عليه السلام وعدله 255
33 عفوه عليه السلام وحلمه وصفحه عن عدوه 288
34 من عدله ما أوصاه في قاتله بإطعامه وسقيه والاحسان إليه وعدم التمثيل به 289
35 خوفه عليه السلام من الله تعالى 296
36 إنفاقه في سبيل الله تعالى 297
37 إعطاؤه عليه السلام حلة للسائل الذي كتب حاجته على الأرض بأمره 297
38 صدقات علي عليه السلام 301
39 شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 305
40 قتل أمير المؤمنين حية وهو في المهد صبي 338
41 مبيته علي فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة 339
42 ان عليا كان معه راية رسول الله " ص " في بدر وأحد وغيرهما 341
43 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم بدر 344
44 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم أحد 351
45 لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي 357
46 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم الأحزاب 363
47 ما ورد في شجاعته يوم خيبر 374
48 ما ورد في شجاعته يوم حنين والطائف 396
49 شجاعته عليه السلام في بنى قريظة 399
50 شجاعته عليه السلام في حرب جمل 399
51 إخبار النبي " ص " لعلي عما يكون بينه وبين عائشة 403
52 قول النبي لأزواجه: أيتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب 405
53 جعل رسول الله " ص " طلاق نسائه بيد علي في حياته وبعد مماته 412
54 إخفاء عائشة اسم أمير المؤمنين علي عليه السلام 414
55 قصة حرب الجمل 417
56 ما صدر من شجاعته عليه السلام يوم صفين 513
57 قتل مع علي بصفين من البدريين خمسة وعشرون بدريا 520
58 شجاعته عليه السلام يوم النهروان 523
59 الخوارج والأخبار الواردة فيهم عن النبي والوصي عليهما السلام 523
60 ذم الخوارج وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم 536
61 إخباره عليه السلام عن الخوارج وعن ذي ثديتهم 537
62 اخبار النبي " ص " عن الخوارج المارقة 582
63 اخبار النبي " ص " عن شهادة علي عليه السلام 595
64 حديث أنس بن مالك 595
65 حديث أبى رافع 596
66 حديث جابر بن سمرة 597
67 اخباره عليه السلام عن شهادة نفسه 603
68 حديث محمد بن الحنفية 603
69 حديث فضالة بن أبى فضالة 604
70 حديث الأصبغ بن نباتة الحنظلي 606
71 حديث زيد بن وهب 609
72 حديث أبى مجلز وأبى الأسود 610
73 حديث أبى الطفيل 611
74 حديث نبل بنت بدر 613
75 حديث سالم بن أبى الجعد 614
76 حديث عبيدة وأم جعفر 615
77 حديث عثمان بن مغيرة 616
78 حديث كثير وروح بن أمية 617
79 حديث يزيد بن أمية الديلي 618
80 حديث عبد الله بن سبع 619
81 حديث ثعلبة بن يزيد الحماني 620
82 حديث والد خالد أبي حفص 620
83 ما روى جماعة مرسلا 621
84 استشهاد أمير المؤمنين بيد أشقى الناس ابن ملجم 624
85 قول علي عليه السلام: فزت ورب الكعبة 643
86 إن قاتل علي عليه السلام أشقى الأولين والآخرين وأشقى الناس 644
87 وصايا أمير المؤمنين حين رحلته إلى دار البقاء 653
88 تاريخ شهادته عليه السلام وسني عمره حين الشهادة 662
89 محل دفن جثمانه الشريف 667
90 حنوط علي من فضل حنوط رسول الله " ص " 673
91 قتل ابن ملجم اللعين 673
92 أزواجه عليه السلام 674
93 أولاده الأشراف السادة 678
94 بعض مراثيه عليه السلام 686