شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٢١٣
فمنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد توفيق بن علي البكري الصديقي المتولد سنة 1287 والمتوفى 1351 في " بيت الصديق " (ص 272 ط مصر) قال:
روى عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله (صلعم) يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي إن الله عز وجل زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها: الزهد في الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ولا تنال الدنيا منك شيئا (1).

(١) قال الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في " علي إمام المتقين " (ج ٢ ص ٢٣ ط مكتبة غريب الفجالة):
وخلال إقامته في الكوفة منذ رجب سنة ست وثلاثين للهجرة، حتى تركها زاحفا بجنده إلى الشام، تعود أن يفقه الناس في الدين، وأن يجلس إليهم بعد كل صلاة يعلم ويفتي، ويقول لهم: اسألوني وما قالها أحد غيره.
كما تعود أن يذهب إلى سوق المدينة فيشتري حاجته وحاجة أهل بيته من طعام ونحوه، فيأمر أهل السوق بتقوى الله، وصدق الحديث والعدل في في الميزان.
اشترى ذات يوم قميصين، فقال لغلامه: اختر واحدا منهما.
ولقد تحدث إليه بعض الذي لحقوا به من أتقياء أهل الشام وقرائهم عن بذخ معاوية، وعن إغداقه على من يصطنعهم، فزعموا أن على مائدة معاوية عشرة أصناف من الحلوى وحدها، وأنه يرتدي كل يوم حلتين، وقد اتخذ لسيفه مقبضا من ذهب، وما هو إلا أحد الولاة، فما بال أمير المؤمنين لا يملك غير إزار قصير، من غزل أهل بيته، لا يغطي إلا نصف ساقه، وما بال طعامه أخشن طعام، وما باله يحمل سيفه على حبل من ليف، وقد اتخذ من حصير المسجد سرير ملكه.
يا له من إمام للمتقين وإمام للمساكين! وضحك الإمام وقال لهم: أما والله ما أحب الفقر، ولو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته، ولكني والله لا أرزأ من أموالكم شيئا.
ولاحظ أحد الحاضرين أن أمير المؤمنين يرتعد من البرد، وليس عليه ما يكفي من الثياب فسأله: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا، فلم تفعل بنفسك هذا. فتبسم قائلا: إن مس الحصير كان يوجع جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع هو وأهله من طعام قط وقد حيزت له الدنيا وما فيها، وأنا على سنته، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل للخليفة من بعدي من مال الله إلا قصعة يأكلها هو وأهله وقصعة يتصدق بها وحلة للصيف وحله للشتاء، على أني أعيش على ما يأتيني من ينبع، وأستغني به عن بيت المال.
وسكت قليلا ثم تنهد وقال: كم من جامع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصاب به حراما، واحتمل به آثاما، فناء بوزره وقدم على ربه آسفا لاهثا خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين صدق الله العظيم. ألا إنه لا شرف أعلى من الإسلام، ولا عز أعز من التقوى، ولا معقل أحسن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أغنى من القناعة، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، والرغبة مفتاح النصب، ومطية التعب، والحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب، ألا فاعلموا أن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بماء متع به غنى، والله تعالى سائلهم عن ذلك.
ولكم عجب الذين سمعوه وسمعوا معاوية: إن معاوية يقرب الناس إليه بما يغدق من منصب أو مال، وبما يبذل من وعود، أما علي فيصارح الناس بمنهجه ولا يطمعهم في عطاء لا يستحقونه، أو في منصب لا يستأهلونه، فالمال مال الله وهو أمين عليه، فهو يستنفر في الرجل تقاه، ويزهده في دنياه، ليستغني عن الناس بالله.
إنه ليتصدق بكل ماله الخاص، ولا يبقى لنفسه أو لأهله إلا ما يكفيهم لما هو ضروري لاستمرار الحياة من الطعام والكساء، وحين خوطب في هذا قال كرم الله وجهه ورضي الله عنه: الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، فلا تحمل هم سنتك على هم يومك! فإن تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم فإن الله تعالى سيؤتيك في كل غد جديد ما قسم لك، وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم لما ليس لك، لن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، لن يبطئ عنك ما قدر لك. ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب، ومن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي رزقه منها.
وألح عليه بعض أصحابه أن يأكل ما طاب ليقوي على القتال فهو لا يأكل إلا رغيفين من خبر الشعير كل يوم، وأن يكون أحسن الناس مظهرا فهو أمير المؤمنين وإمامهم. فقال: إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا يجد القرص (الرغيف) ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا (ممتلئ البطن (وحولي بطون غرثى (خالية) وأكباد حرى، أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في خشونة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها وما خلقت لأترك سدى، أو أجر حبل الضلالة، أو اعتسف طريق المتاهة، وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا، والنباتات البدوية أقوى وقودا وأقل خمودا. وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو، والذراع من العضد، وقد كان رسول الله يأكل أخشن مما آكل ويلبس أخشن مما ألبس، وأنا على سنته حتى ألحق به.
إلا وإن لكل إمام مأموما يقتدى به ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه (إزار ورداء)، ومن طعامه بقرصيه (رغيفيه). ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولا أطالبكم به، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا حزت من أرضها شبرا.
بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 213 213 213 224 225 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مستدرك ترجمة الإمام على عليه السلام 3
2 مستدرك ألقابه عليه السلام وكناه الشريفة 32
3 مولد علي عليه السلام 33
4 تزويج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء عليهما السلام 41
5 حديث: علمني ألف باب يفتح من كل باب ألف باب 50
6 حديث: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى على تسعة 57
7 كلام ابن عباس في علم علي عليه السلام 57
8 حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها 58
9 حديث: سلوني قبل أن تفقدوني 58
10 قول على عليه السلام: سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض 68
11 جوابه عليه السلام لليهود 69
12 لأمير المؤمنين علم ظاهر كتاب الله وباطنه 70
13 أول من وضع علم النحو علي بن أبى طالب عليه السلام 77
14 علمه عليه السلام بالجفر 87
15 ما ورد أن أمير المؤمنين كان أفرض أهل المدينة وأقضاها 93
16 مستدرك أقضى الأمة علي عليه السلام 101
17 حديثه وحديث ابن عباس في ذلك 101
18 حديث جابر وأنس بن مالك 102
19 حديث عبد الله بن مسعود 103
20 قول عمر علي أقضانا 106
21 قصة زبية الأسد وقضاء علي عليه السلام 120
22 قضاؤه عليه السلام في الأرغفة 125
23 أمر علي عليه السلام الزوجين أن يبعثا حكما من أهلهما 129
24 من أقضيته عليه السلام 131
25 أول من فرق الخصوم علي عليه السلام 173
26 جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة 173
27 قضاؤه في الخنثى المشكل سأله معاوية 174
28 قضاؤه في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة ولدت 175
29 عدل علي عليه السلام في الحكومة 189
30 ما ورد في زهد أمير المؤمنين وعدله وإنفاقه في سبيل الله تعالى 212
31 من عدله أمره بكنس بيت المال ثم ينضحه ويصلى فيه ولم يحبس فيه المال عن المسلمين 250
32 زهد علي عليه السلام وعدله 255
33 عفوه عليه السلام وحلمه وصفحه عن عدوه 288
34 من عدله ما أوصاه في قاتله بإطعامه وسقيه والاحسان إليه وعدم التمثيل به 289
35 خوفه عليه السلام من الله تعالى 296
36 إنفاقه في سبيل الله تعالى 297
37 إعطاؤه عليه السلام حلة للسائل الذي كتب حاجته على الأرض بأمره 297
38 صدقات علي عليه السلام 301
39 شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 305
40 قتل أمير المؤمنين حية وهو في المهد صبي 338
41 مبيته علي فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة 339
42 ان عليا كان معه راية رسول الله " ص " في بدر وأحد وغيرهما 341
43 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم بدر 344
44 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم أحد 351
45 لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي 357
46 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم الأحزاب 363
47 ما ورد في شجاعته يوم خيبر 374
48 ما ورد في شجاعته يوم حنين والطائف 396
49 شجاعته عليه السلام في بنى قريظة 399
50 شجاعته عليه السلام في حرب جمل 399
51 إخبار النبي " ص " لعلي عما يكون بينه وبين عائشة 403
52 قول النبي لأزواجه: أيتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب 405
53 جعل رسول الله " ص " طلاق نسائه بيد علي في حياته وبعد مماته 412
54 إخفاء عائشة اسم أمير المؤمنين علي عليه السلام 414
55 قصة حرب الجمل 417
56 ما صدر من شجاعته عليه السلام يوم صفين 513
57 قتل مع علي بصفين من البدريين خمسة وعشرون بدريا 520
58 شجاعته عليه السلام يوم النهروان 523
59 الخوارج والأخبار الواردة فيهم عن النبي والوصي عليهما السلام 523
60 ذم الخوارج وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم 536
61 إخباره عليه السلام عن الخوارج وعن ذي ثديتهم 537
62 اخبار النبي " ص " عن الخوارج المارقة 582
63 اخبار النبي " ص " عن شهادة علي عليه السلام 595
64 حديث أنس بن مالك 595
65 حديث أبى رافع 596
66 حديث جابر بن سمرة 597
67 اخباره عليه السلام عن شهادة نفسه 603
68 حديث محمد بن الحنفية 603
69 حديث فضالة بن أبى فضالة 604
70 حديث الأصبغ بن نباتة الحنظلي 606
71 حديث زيد بن وهب 609
72 حديث أبى مجلز وأبى الأسود 610
73 حديث أبى الطفيل 611
74 حديث نبل بنت بدر 613
75 حديث سالم بن أبى الجعد 614
76 حديث عبيدة وأم جعفر 615
77 حديث عثمان بن مغيرة 616
78 حديث كثير وروح بن أمية 617
79 حديث يزيد بن أمية الديلي 618
80 حديث عبد الله بن سبع 619
81 حديث ثعلبة بن يزيد الحماني 620
82 حديث والد خالد أبي حفص 620
83 ما روى جماعة مرسلا 621
84 استشهاد أمير المؤمنين بيد أشقى الناس ابن ملجم 624
85 قول علي عليه السلام: فزت ورب الكعبة 643
86 إن قاتل علي عليه السلام أشقى الأولين والآخرين وأشقى الناس 644
87 وصايا أمير المؤمنين حين رحلته إلى دار البقاء 653
88 تاريخ شهادته عليه السلام وسني عمره حين الشهادة 662
89 محل دفن جثمانه الشريف 667
90 حنوط علي من فضل حنوط رسول الله " ص " 673
91 قتل ابن ملجم اللعين 673
92 أزواجه عليه السلام 674
93 أولاده الأشراف السادة 678
94 بعض مراثيه عليه السلام 686