يخفق برأسه النعاس، وجناحا جيشه يهيضهما الكر، وينتف ريشهما العدو وينبهه (حية) بن جهين إلى الخطر، والعجب يملأ نفسه من قائد ينام في صميم المعركة، فيتثاءب علي، ويشهد الله على براءته من هذه الفتنة ومن فتنة عثمان جميعا، ثم يشد فيبسط ما اجتمع من جناحي جيشه، وينبت ما عري من ريشهما ويعود فيطلب ماء، فيمنع عنه الماء احتياطا لصحته، ويقدم إليه عسل، فيحسو منه حسوة، ويقول لصاحب العسل: إن عسلك لطائفي يا ابن أخي!
ويعجب الرجل لحس أمير المؤمنين الحاضر، لا تؤخره الحرب الطاحنة عن تمييز عسل (الطائف) من غيره، فيقول له: (لا تعجب - يا ابن أخي - والله ما ملأ صدر عمك شئ قط، ولا هابه شئ).
ثم يندفع وتكون الدبرة على جيش الجمل، يخر هذا الحيوان العجيب تحت ثقله، وتهوي رايته إلى جنبه، ويتفرق الأحياء من أنصاره إلا نفر أسروا منهم مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان، وكان أول متقدم إلى الجمل الصريع علي، يتلوه عمار، وبعد عمار مالك الأشتر ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من الفرسان، ومنادي أمير المؤمنين يعلن بأمره انتهاء المعركة، فلا يلاحق فار، ولا يجهز على جريح، ولا يهتك خدر، ولا يكفأ قدر.
ولم تكن هذه أوامر خليفة وحسب، بل كانت أحكاما فقهية،