وكانت في نفس عمر خطة أحكم تصميمها وطواها إلى أن يحين وقتها، وهذا أجل نشرها قد وافاه ويوشك أن ينقضي، فلا ينبغي أن يؤخره عن فرضها هول النزيف، ولا روع اليأس من الحياة، وليس بمنجيه استهوال أو يأس، ولكنه أراد قبل فرضها أن يمتحن نفوذه وهو على فراش الموت، هل بقيت منه بقية تلزم الناس بالطاعة، وتخضعهم لرأيه في الحكم ثالث مرة، وآخر مرة، إنه معتزم منذ حين بعيد أن يمسك بدفة الحكم ويسيطر على مسيره حيا وميتا، ولكنه يعلم أن نفوس القادة من الطامحين إلى الخلافة لا تصفو له، ولا يخامره ريب بأن مصرعه على يد هذا الغلام الفارسي المغمور إنما هو نتيجة مؤامرة متقنة، وأنى لغلام كأبي لؤلؤة أن يجرأ على مذل الأكاسرة والقياصرة، إذا لم تسنده قوة من قوى (المدينة) ذاتها أو يدفعه خصم من خصوم عمر، إن لم يدفعه كل خصوم عمر، وهم عقول المسلمين وذوو الخطر في الدولة؟ وقد يحقق - علما أو ظنا - الوجه المختبئ وراء وجه أبي لؤلؤة، ويرى إلى اليد الكامنة في قبضة هذا المجرم الصعلوك الضحية، ولكنه لم يكن بسبيل من القصاص، ولا في صدد إدانة المعتدي الحقيقي الذي لا تتسع حياته للكشف عنه والانتقام منه، وإنما هو إزاء خطة يريد تطبيقها، وإن انتفع بها المجرم المقنع، فالمشكلة إذن إنما هي مشكلة نفوذه المتصل بتطبيق سياسته، لا مشكلة مصرعه التي لم يبق محل للاهتمام بحلها، وهذا الدم ينزف دافقا من طعنات أبي لؤلؤة، فالدم
(١٦٣)