لا تحتاج إلى وجود شخص معين، على إنه يجب كفاية حفظه على جميع المكلفين نظير حفظ بيضة الإسلام عند خوف غلبة الكفار.
وأما السنة فهي أيضا محفوظة من جهة وجود الصحابة الكرام، فإنهم صحبوا النبي (ص) برهة من الدهر حتى أخذوا أحكام الله تعالى بأسرها منه وتلقوها عنه وبلغوها غيرهم، وأخذتها الناس يدا بيد، أو إحتفظوها كالقرآن ودونها، فهي والقرآن مأمونان من الزوال إلى أبد الآباد، فلا يلزم تعيين حافظ غير الصحابة من جانب الله تعالى، إذ هو تحصيل حاصل نظير بعث نبي بعد نبي في تبليغ شريعة واحدة في عصر واحد، فحينئذ دعوى احتياج الشريعة إلى إمام حافظ مثل النبي ممنوعة أشد المنع، هذا أقصى ما يقرر في الإشكال على المقدمة المزبورة من جانب الخصم، ومع ذلك هو صورة بلا معنى أو هيولا بلا صورة، كسراب بقيعة، فإن قياس السنة بكتاب الله تعالى قياس مع الفارق، نظرا إلى أن الكتاب المجيد صدر من مصدر الجلال الإلهي، والحفاظ والكتاب عند نزوله دونوه وحفظوه وضبطوه أشد الضبط، واجتهدوا في حراسته على حد المحافظة لساير كتب العلوم، حتى إنهم طالما يتنازعون في الهمزة والضمة والكسرة منه، إلى أن دونت الكتب في ذلك، ولذلك كان الكتاب المجيد متواترا وباقيا إلى يوم القيامة نظير الكتب الدينية وغير الدينية الباقية في الناس على الدوام لاشتمالها على المصالح الدينية والدنيوية، أو لميل طباع النوع الإنساني إلى بقاءها كما هو المشاهد في كتب القصص والحكايات والأشعار، وليس الكتاب العزيز بأقل منها.
وأما السنة النبوية المشتملة على بيان النبي (ص) للأحكام فمن المعلوم إن بيان الأحكام بأسرها دفعة واحدة لم يقع منه، بل غير ممكن