عن ذكر ما يعتقده فيثني عليه، وعلى الخدمة والإعانة، فإنه لا يبخل يبذل نفسه في طاعته بقدر اعتقاده، وعلى الإيثار وترك المنازعة والتعظيم والتوقير والابتداء بالسلام وتسليم الصدر في المحافل والتقديم في جميع المقاصد.
(تنبيه): حب الجاه والشهرة إن كان من حيث إيجابهما الغلبة والاستيلاء حتى ترجع حقيقة إلى حبهما، وكان طالبهما طالبا لهما، فهو من رذائل قوة الغضب، وإن كان من حيث التوصل بهما إلى قضاء الشهوات وحظوظ النفس البهيمية، فهو من رذائل قوة الشهوة، وإن كان من الحيثيتين فهو من رذائلهما بالاشتراك، بمعنى مدخلية كل منهما في حدوث خصوص هذه الصفة. والأصل اشتراك القوتين في حدوث حب الجاه والشهرة - كما ذكرناه في جملة ما يتعلق بهما معا - بخلاف حب المال، فإن الغالب أن حبه من حيث التوصل به إلى قضاء حظوظ القوة الشهوية، وكونه لمجرد الاستيلاء عليه بالمالكية والتمكن على التصرف فيه نادر، ولذا ذكرناه فيما يتعلق بقوة الشهوة.
فصل ذم حب الجاه والشهرة إعلم أن حب الجاه والشهرة من المهلكات العظيمة، وطالبهما طالب الآفات الدنيوية والأخروية، ومن اشتهر اسمه وانتشر صيته لا يكاد أن تسلم دنياه وعقباه، إلا من شهره الله لنشر دينه من غير تكلف طلب للشهرة منه. ولذا ورد في ذمهما ما لا يمكن إحصاؤه من الآيات والأخبار: قال الله سبحانه:
" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا " (15).
وقال: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " (16).
وهذا بعمومه متناول لحب الجاه، لأنه أعظم لذة من لذات الحياة