الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٤ - الصفحة ٩٦
ما ادعته بغير بينة أم لا يجب ذلك: والذي يدل على الفصل الثاني (1) أن البينة إنما تراد ليغلب في الظن صدق المدعي، ألا ترى أن العدالة معتبرة في الشهادة لما كانت مؤثرة في غلبة الظن لما ذكرناه. ولهذا جاز أن يحكم الحاكم بعلمه من غير شهادة، لأن علمه أقوى من الشهادة، ولهذا كان الاقرار أقوى من البينة من حيث كان أبلغ في تأثير غلبة الظن، وإذا قدم الاقرار على الشهادة لقوة الظن عنده فأولى أن يقدم العلم على الجميع، وإذا لم يحتج مع الاقرار إلى شهادة لسقوط حكم الضعيف مع القوي فلا يحتاج أيضا مع العلم إلى ما يؤثر الظن من البينات والشهادات.
والذي يدل أيضا على صحة ما ذكرناه أنه لا خلاف بين أهل النقل في أن أعرابيا نازع النبي صلى الله عليه وآله في ناقة فقال صلى الله عليه وآله: (هذه لي وقد خرجت إليك من ثمنها) فقال الأعرابي: من يشهد لك بهذا فقام خزيمة بن ثابت فقال: أنا أشهد بذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله: (من أين علمت أحضرت ابتياعي لها) (2) فقال: لا ولكن علمت ذلك من حيث علمت أنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله: (قد أجزت شهادتك وجعلتها شهادتين) فسمي خزيمة بذلك ذا الشهادتين، وهذه القصة مشبهة لقصة فاطمة عليها السلام لأن خزيمة بن ثابت اكتفي في العلم بأن الناقة له عليه السلام وشهد بذلك من حيث علم أنه رسول الله صلى الله عليه وآله. ولا يقول إلا حقا وأمضى النبي صلى الله عليه وآله ذلك على هذا الوجه فلم يدفعه عن الشهادة من حيث لم يحضرا ابتياعه، فقد كان يجب على من علم أن فاطمة عليها

(1) وهو من كان بهذه الصفة لا يحتاج فيما يدعي إلى بينة وأن مطالبه بها عادل عن الصواب.
(2) ش " من أين علمت وما حضرت ذلك؟ " وانظر أسد الغابة بترجمته.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»