مختصر المعاني - سعد الدين التفتازاني - الصفحة ٣١٨
القريب من التخلص ما يكون بلفظ هذا كما في قوله تعلى بعد ذكر أهل الجنة (هذا وان للطاغين لشر مآب) فهو اقتضاب فيه نوع مناسبة وارتباط لان الواو للحال ولفظ هذا اما خبر مبتدأ محذوف (أي الامر هذا) والحال كذا (أو) مبتدأ محذوف الخبر أي (هذا كما ذكر) وقد يكون الخبر مذكورا (مثل قوله تعالى) بعد ما ذكر جمعا من الأنبياء عليهم السلام وأراد أن يذكر بعد ذلك الجنة وأهلها (هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب) باثبات الخبر أعني قوله ذكر وهذا مشعر بأنه في مثل قوله تعالى هذا وان للطاغين مبتدأ محذوف الخبر، قال ابن الأثير لفظ هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام إلى كلام آخر، (ومنه) أي من الاقتضاب القريب من التخلص (قول الكاتب) هو مقابل للشاعر عند الانتقال من حديث إلى آخر (هذا باب) فان فيه نوع ارتباط حيث لم يبتدئ الحديث الآخر بغتة.
(وثالثها) أي ثالث المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها (الانتهاء) لأنه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس فان كان حسنا مختارا تلقاء السمع واستلذه حتى جبر ما وقع فيما سبقه من التقصير وإلا لكان على العكس حتى ربما أنساه المحاسن الموردة فيما سبق فالانتهاء الحسن (كقوله وأني جدير) أي خليق (إذ بلغتك بالمنى) أي جدير بالفوز بالأماني (وأنت بما أملت منك جدير، فان تولني) اي تعطني (منك الجميل فأهله) أي فأنت أهل لاعطاء ذلك الجميل (والا فاني عاذر) إياك عما صدر عنى من الابرام (وشكور) لما صدر عنك من الاصغاء إلى المديح أو من العطايا السالفة.
(وأحسنه) أي أحسن الانتهاء (ما اذن بانتهاء الكلام) حتى لا يبقى للنفس تشوق إلى ما وراءة (كقوله بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله، وهذا دعاء للبرية شامل) لان بقاءك سبب لنظام أمرهم وصلاح حالهم، وهذه المواضع الثلاثة مما يبالغ المتأخرون في التأنق فيها واما المتقدمون فقد قلت عنايتهم بذلك (وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها) من البلاغة لما فيها من التفنن
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 315 316 317 318 319 » »»