مختصر المعاني - سعد الدين التفتازاني - الصفحة ٣١٧
وهو في اللغة الاقتطاع والارتجال (وهو) أي الاقتضاب (مذهب العرب الجاهلية ومن يليهم من المخضرمين) بالخاء والضاد المعجمتين أي الذين أدركوا الجاهلية والاسلام مثل لبيد. قال في الأساس ناقة مخضرمة أي جذع نصف اذنها ومنه المخضرم الذي أدرك الجاهلية والاسلام كأنما قطع نصفه حيث كان في الجاهلية (كقوله لو رأى الله ان في الشيب خيرا، جاورته الأبرار في الخلد شيبا) جمع أشيب وهو حال من الأبرار، ثم انتقل من هذا الكلام إلى ما لا يلائمه فقال:
(كل يوم تبدى) أي تظهر (صروف الليالي، خلقا من أبى سعيد غريبا) ثم كون الاقتضاب مذهب العرب والمخضرمين أي دأبهم وطريقتهم لا ينافي أن يسلكه الإسلاميون ويتبعونهم في ذلك فان البيتين المذكورين لأبي تمام وهو من الشعراء الاسلامية في الدولة العباسية، وهذا المعنى مع وضوحه قد خفى على بعضهم حتى اعترض على المصنف بأن أبا تمام لم يدرك الجاهلية فكيف يكون من المخضرمين.
(ومنه) أي من الاقتضاب (ما يقرب من التخلص) في أنه يشوبه شئ من المناسبة (كقولك بعد حمد الله اما بعد) فإنه كان كذا وكذا فهو اقتضاب من جهة الانتقال من الحمد والثناء إلى كلام آخر من غير رعاية ملائمة بينهما لكنه يشبه التخلص حيث لم يأت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بما قبله بل قصد نوع من الربط على معنى مهما يكون من شئ بعد الحمد والثناء فإنه كان كذا وكذا (قيل وهو) أي قولهم بعد حمد الله أما بعد.
هو (فصل الخطاب) قال ابن الأثير والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان ان فصل الخطاب هو اما بعد لان المتكلم يفتتح كلامه في كل أمر ذي شأن بذكر الله وتحميده فإذا أراد أن يخرج منه إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله اما بعد، وقيل فصل الخطاب معناه الفاصل من الخطاب أي الذي يفصل بين الحق والباطل على أن المصدر بمعنى الفاعل، وقيل المفصول من الخطاب وهو الذي يتبينه من يخاطب به أي يعمله بينا لا يلتبس عليه فهو بمعنى المفعول.
(وكقوله) تعالى عطف على قوله كقولك بعد حمد الله يعنى من الاقتضاب
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 315 316 317 318 319 » »»