لسان العرب - ابن منظور - ج ١٥ - الصفحة ٥٨
قرين، قال الفراء: معناه من يعرض عن ذكر الرحمن، قال: ومن قرأ ومن يعش عن ذكر الرحمن فمعناه من يعم عنه، وقال القتيبي: معنى قوله ومن يعش عن ذكر الرحمن أي يظلم بصره، قال: وهذا قول أبي عبيدة، ثم ذهب يرد قول الفراء ويقول: لم أر أحدا يجيز عشوت عن الشئ أعرضت عنه، إنما يقال تعاشيت عن الشئ أي تغافلت عنه كأني لم أره، وكذلك تعاميت، قال:
وعشوت إلى النار أي استدللت عليها ببصر ضعيف. قال الأزهري:
أغفل القتيبي موضع الصواب واعترض مع غفلته على الفراء يرد عليه، فذكرت قوله لأبين عواره فلا يغتر به الناظر في كتابه. والعرب تقول: عشوت إلى النار أعشو عشوا أي قصدتها مهتديا بها، وعشوت عنها أي أعرضت عنها، فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل. وقال أبو زيد: يقال عشا فلان إلى النار يعشو عشوا إذا رأى نارا في أول الليل فيعشو إليها يستضئ بضوئها. وعشا الرجل إلى أهله يعشو: وذلك من أول الليل إذا علم مكان أهله فقصد إليهم. وقال أبو الهيثم: عشي الرجل يعشى إذا صار أعشى لا يبصر ليلا، وقال مزاحم العقيلي فجعل الاعتشاء بالوجوه كالاعتشاء بالنار يمدح قوما بالجمال:
يزين سنا الماوي كل عشية، على غفلات الزين والمتجمل، وجوه لوان المدلجين اعتشوا بها، سطعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي وعشا عن كذا وكذا يعشو عنه إذا مضى عنه. وعشا إلى كذا وكذا يعشو إليه عشوا وعشوا إذا قصد إليه مهتديا بضوء ناره. ويقال: استعشى فلان نارا إذا اهتدى بها، وأنشد:
يتبعن حروبا إذا هبن قدم، كأنه بالليل يستعشي ضرم (* قوله حروبا هكذا في الأصل، ولعله محرف، والأصل حوذيا أي سائقا سريع السير) يقول: هو نشيط صادق الطرف جرئ على الليل كأنه مستعش ضرمة، وهي النار، وهو الرجل الذي قد ساق الخارب إبله فطردها فعمد إلى ثوب فشقه وفتله فتلا شديدا، ثم غمره في زيت أو دهن فرواه، ثم أشعل في طرفه النار فاهتدى بها واقتص أثر الخارب ليستنقذ إبله، قال الأزهري: وهذا كله صحيح، وإنما أتى القتيبي في وهمه الخطأ من جهة أنه لم يفرق بين عشا إلى النار وعشا عنها، ولم يعلم أن كل واحد منهما ضد الآخر من باب الميل إلى الشئ والميل عنه، كقولك: عدلت إلى بني فلان إذا قصدتهم، وعدلت عنهم إذا مضيت عنهم، وكذلك ملت إليهم وملت عنهم، ومضيت إليهم ومضيت عنهم، وهكذا قال أبو إسحق الزجاج في قوله عز وجل: ومن يعش عن ذكر الرحمن أي يعرض عنه كما قال الفراء، قال أبو إسحق: ومعنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين نعاقبه بشيطان نقيضه له حتى يضله ويلازمه قرينا له فلا يهتدي مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين، قال الأزهري: وأبو عبيدة صاحب معرفة بالغريب وأيام العرب، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه. وفي حديث ابن عمر: أن رجلا أتاه فقال له كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضر مع الإيمان ذنب؟ فقال ابن عمر: عش
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست