فإن كان ممن يليها بنفسه كأفناء الناس لم يحنث لأنه ما فعله وإنما فعله غيره و الأيمان يتعلق بحقايق الأسماء والأفعال، فإذا فعله عنه غيره بأمره فهو وإن أضيف إليه فما فعله هو حقيقة، بدليل أنه يصح نفي الفعل عنه، فلو قيل قد باع الحالف هذا قيل لا إنما باعه وكيله وناب عنه وكيله فيه.
وإن كان الحالف ممن لا يلي هذه الأشياء بنفسه كالخليفة والسلطان العظيم فوكل غيره بفعله عنه، نظرت فإن حلف لا تزوجت ولا طلقت لم يحنث، لأن هذا مما يليه بنفسه فهو فيها كالعامة وسائر الناس، وإن كان حلف لا بعت ولا اشتريت، ولا ضربت عبدي، ففعله عنه غيره بأمره، قال قوم إنه لا يحنث، وقال آخرون في الضرب إنه يحنث لأنه يقال باع الخليفة، وإن كان البايع وكيله، كما روي زنا ماعز فرجمه رسول الله و إنما أمر برجمه وهذا الأقوى عندي ومن قال لا يحنث قال هذا مجاز والأيمان يتعلق بالحقايق، وهو قوي أيضا ويقويه أن الأصل براءة الذمة.
إذا علق يمينه بأمرين لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون نفيا أو إثباتا، فإن كان إثباتا كقوله والله لآكلن هذين الرغيفين أو لألبسن هذين الثوبين، فإذا لبسهما بر وإن لبس أحدهما لم يبر في يمينه بلا خلاف.
وإن كان هذا على النفي فحلف لا أكلت هذين الرغيفين، ولا لبست هذين الثوبين لم يحنث حتى يأكلهما، فإن أكل أحدهما لم يحنث، وقال بعضهم يحنث إذا أكل أحدهما لأن أصله، أن القرب من الحنث حنث، والأول أصح عندنا.
فإن حلف لا كلمت زيدا وعمروا فكلم أحدهما حنث، والفرق بينهما أنهما يمينان لأنه حلف لا كلم زيدا ولا كلم عمروا، وإنما دخلت الواو نايبة مناب تكرير الفعل كأنه أراد أن يقول والله لا كلمت زيدا ولا كلمت عمروا فقال وعمرو، فلهذا حنث وليس كذلك في الأول لأنها يمين واحدة.
ولو حلف لا شربت ماء هذه الإداوة صار بالإضافة إليها معرفة، فلا يحنث حتى يشربه كله، ولو كان هذا على الإثبات فقال لأشربن ماء هذه الإداوة لم يبر حتى يشربه كله لما مضى.