حكمه الذي يوشك على الاضطراب والانفصال، وكان عليه أولا بعد مقتل أخيه واستقلاله بالحكم، أن يعهد بولاية العهد لأحد من بعده، ويختار من يراه صالحا لهذا الأمر، جريا على العادة التي اتبعها أسلافه.
وكان عليه أن يكون دقيقا في الاختيار، انسجاما مع دقة الظروف التي عاشها في فترة خلافه مع أخيه وما بعدها، وأن يخضع كل خطوة يخطوها إلى حسابات دقيقة، تربط بين نتائج الماضي وتوقعات المستقبل، وتلائم بين الشعور الشيعي العلوي الذي يسيطر على جهة خراسان وما والاها، والشعور العباسي العنصري الذي يسيطر على جهة العراق وغيرها من الأطراف.
فاختار لهذا الأمر الإمام الرضا (عليه السلام) لأسباب تعود لصالحه (1)، وفي نفس الوقت جعلها ورقة لمساومة العباسيين الناقمين عليه والمؤيدين لأخيه الأمين في الحكم. فقد جاء المأمون إلى الحكم، ورأى ما رأى من كثرة الشيعة، وإقبال الناس على الإمام الرضا (عليه السلام)، ونقمتهم على أبيه والحاكمين من أسلافه، فحاول المداهنة واستمالة الرأي العام، فأظهر التشيع كذبا ونفاقا، وأخذ يدافع ويناظر عن أفضلية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2)، وهو لا يؤمن بشيء من ذلك، وإنما هو وسيلة لتثبيت ملكه وتوطيد سلطانه.
ولم يكن في قرارة نفسه أن يخرج الخلافة من بني العباس إلى غيرهم من العلويين أو سواهم، ورغم تظاهره بالتشيع نظريا لا سلوكا ومنهجا في العمل، فإنه