إن الصبر نفحة من نفحات الله، يعتصم به المؤمن فيتلقى المكاره والمصاعب بحزم ثابت ونفس مطمئنة، ولولاه لانهارت نفسه، وتحطمت قواه، وأصبح عاجزا عن السير في ركب الحياة، وقد دعا الاسلام إلى الاعتصام به لأنه من أهم الفضائل الخلقية، وقد ذكره القرآن الكريم في سبعين آية، ولم يذكر فضيلة أخرى بهذا المقدار، وما سبب ذلك إلا لعظيم أمره، ولأنه من مصادر النهوض الاجتماعي، فالأمة التي لا صبر لها لا يمكن أن تصمد في وجه الأعاصير، مضافا لذلك أنه يربي ملكات الخير في النفس فما فضيلة إلا وهي محتاجة إليه.
وقد أثر عنهم في ذلك الشئ الكثير من الاخبار، فقد قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة (1)، وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له (2).
إن الصبر بلسم للقلوب المكلومة التي أثكلها الخطب وجار عليها الزمان، وهو عزاء للنفوس الحزينة التي هامت بتيار الهواجس والهموم، وهو تسلية للمعذبين يجدون فيه الاطمئنان، وتحت كنفه ينعمون بالراحة والاستقرار) (3) وفي ليلة عاشوراء التي حفلت بعظيم المكاره والمصائب والارزاء، والتي لا يعهد لها مثيل في تاريخ البشرية، نرى وقد برز الصبر فيها، وصار أحد سماتها، وصفة قد تحلى بها أصحابها، حتى أصبح كل واحد منهم كالجبل الأصم لا تهزه