علم الفقه وليس من نافلة القول، ولا من الغلو في شئ القول بأن فقه أهل البيت (عليهم السلام) هو من أفضل ما قنن في عالم التشريع، فهو يساير الفطرة، ويساير العقل ولا يشذ عن سنن الكون، وليس في بنوده عسر ولا حرج، ولا جمود، وانما هو متوازن، ومتطور، ومتكامل، قد عالج قضايا الانسان ووضع لها الحلول الحاسمة على ضوء الفكر والمنطق.
وثمة ميزة أخرى بالغة الأهمية لهذا الفقه، وهو انه قد أخذ عن أئمة الهدى الذين هم من ركائز الوعي والهدى في دنيا الاسلام، وقد أعلن كل واحد منهم أنه لم يفت في واقعة أو نازلة عن رأيه واجتهاده الخاص، وانما هو مستمد ومأخوذ عن جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقد آثرهم بعلمه، وخصهم بحكمته، وجعلهم سفن النجاة وأمن العباد، والزم الأمة باتباع منهجهم، والاقتداء بسلوكهم، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة أثرت عنه رواها ثقات الرواة في صحاحهم.
ومن الجدير بالذكر أن جميع ما أثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الاحكام يعتبر - عند الشيعة - من السنة التي هي من مصادر الفتوى، ومن مدارك التشريع، والتي يجب فيها العمل على طبقها، والتعبد بها إن صح طريق السند إليهم، وكان صدوره منهم لبيان الحكم الواقعي لا للتقية، ونحو ذلك من الشروط التي نص عليها علماء الأصول في اعتبار الحديث، وكسبه درجة الصحة.
وعلى أي حال فان الإمام الرضا (عليه السلام) من أعلام أئمة الهدى (عليهم السلام) فقوله وفعله من السنة، وقد أثرت عنه كوكبة من احكام التشريع نعرض لنماذج منها في بعض بحوث هذا الكتاب، ونتحدث الآن عن فقهه.