ولم يحفل قاموس السياسة في تقييم الحكم بكلمة أجل، ولا أسمى من هذه الكلمة التي أدلى بها عملاق الفكر الاسلامي الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا قيمة للسلطة ما لم يقم في ظلها الحق والعدل، ويقصي فيها الباطل والجور.
إن هذا هو منهج الله تعالى الذي يريده لعباده لتستقيم حياتهم، وينعمون في ظل حكم لا خداع فيه، ولا تضليل، ولا تلاعب بما تملكه الأمة من مقدرات.
(4) وبرز الإمام الرضا (عليه السلام) على مسرح الحياة السياسية في الاسلام كألمع سياسي عرفه التاريخ الاسلامي، فقد كان صلبا في مواقفه السياسية، فلم تخدعه الأساليب البراقة، ولا الأماني المزيفة التي قدمها له الملك العباسي المأمون من تنازله عن العرش، وترشيحه له، فلم يكن هذا العرض واقعيا، ولا صادقا بحال من الأحوال، وانما كان لأغراض سياسية لعل كان من أهمها القضاء على الثورات الملتهبة التي كادت أن تحرق الحكم العباسي، وتلف لواءه، والتي منها ثورة أبي السرايا، فقد كان قائدا عسكريا ملهما، فهو كأبي مسلم الخرساني الذي أطاح بالحكم الأموي، ومضافا لذلك جلب عواطف الإيرانيين وسائر القوى الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) الذين جهدت الحكومات العباسية المتعاقبة على ظلمهم، والتنكيل بهم، وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية.
ولم تخف على الإمام الرضا (عليه السلام) دوافع المأمون السياسية بتنازله عن رئاسة الدولة، وتقديمها بسخاء له، فامتنع (عليه السلام) امتناعا شديدا من قبولها، ولما يئس منه عرض عليه ثانيا ولاية العهد فامتنع كذلك، إلا أنه تهدده، وتوعده بالقتل إن لم يستجب لذلك، فاستجاب على كره، وقد شرط عليه شروطا ألقت الأضواء على كراهيته وعدم رضاه، وهي:
أ - لا يأمر، ولا ينهى.
ب - لا يعزل أحدا عن منصبه.
ج - لا ينصب أحدا في أي منصب من مناصب الدولة.
ومعنى هذه الشروط أن يكون له مجرد الشكل الظاهري من أنه ولي عهد المأمون، كما أن معناه ان حكومة المأمون ليست شرعية، ولو كانت شرعية لما شرط عليه هذه الشروط.