الإمام جعفر الصادق (ع) - عبد الحليم الجندي - الصفحة ٢٥٥
ويعتبر الشيعة الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر من أصول الدين عندهم.
وأنها " رديفة " التوحيد والنبوة، وفي حين لا يوافق أهل السنة على ذلك، لا تكفر الشيعة أهل السنة في إنكارها هذا الأصل. ولا يكفر أهل السنة الشيعة باعتقادها في الإمامة.
وإنما يشتد الخلاف من جراء الغلو في الأئمة ونسبة أشياء إليهم يختلف في بعضها أهل السنة أنفسهم، كالرجعة، أو القدح في بعض الصحابة، كعمرو ومعاوية والمغيرة. أو يختلف فيها الشيعة أنفسهم كولاية المفضول، والنص على الإمام بالاسم لا بالوصف. مما حدا بالأضداد والأشياع إلى تبادل أزمة الثقة. أما الفاقهون فأدخلوا خلافاتهم في إطار ما يختلف فيه المجتهدون.
وأما المتعصبون، من كل ملة، فيتقاطعون.. وما يتقاطعون إلا للمصلحة أو للغلواء أو لضيق الأفق. (1)

(١) دخل إبراهيم بن هرثمة على المنصور فتهدده لأنه يمدح أهل البيت. ولما خرج إبراهيم لقي علويا سلم عليه فصاح به: لا تشط بدمي.
وفي سنة ٣٥٠ استعانت الجماهير بالجند ضد الشيعة. وفي سنة ٣٦٣ قتل الكثيرون من أجل إقامة الشيعة لشعائرهم. وفي سنة ٤٠٣ صدر مرسوم بلعن العلويين خلفاء مصر و إنكار نسبهم.
وكانت موقعة الكرخ فتكا بأموال الشيعة أرواحهم وأطفالهم. وفي سنة ٤٣٩ كبست دار الطوسي ببغداد. وفي سنة ٤٤٨ و ٤٤٩ أحرقت مكتبة الطوسي فترك بغداد إلى النجف.
وعدوان المالكية على الشافعي في جامع عمرو مشهور. وطرد المالكية والحنفية من أجل الشغب في جامع عمرو بعد ذلك بأمر القاضي الحارث بن مسكين معروف. وكذلك فتنة الحنابلة في مجلس الطبري (٣١٠) وفي عهد البربهاري وفيما بعده وقد طالما أرهجت بغداد.
ومن الإزراء بالتعصب المذهبي تتردد على الألسن سخرية الزمخشري، وهو حنفي إذا سألوا عن مذهب لم أبح به * وأكتمه... كتمانه لي أسلم فإن حنفيا قلت، قالوا بأنني * أبيح الطلى وهو الشراب المحرم وإن شافعيا قلت، قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم وإن مالكيا قلت، قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم.
ولقد طالما كفرت جماعة جماعة أخرى: بغيا عليها أو تحاملا منها في التعبير عن الخلاف معها.
كان نظام الملك (٣٨٥) وزيرا عظيما: ينشر العلم وينشئ المدارس، ويعمل للوحدة، ويحاول أن يجمع الخلافتين العباسية والفاطمية، أي أهل السنة والشيعة الإسماعيلية، وكان يجتمع لديه علماء الفرق، فدخل عليه عبد السلام بن محمد القزويني شيخ المعتزلة وعنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعري، فقال له: أيها الصدر. لقد اجتمع عندك رؤوس أهل النار. أنا معتزلي وذلك أشعري وهذا مشبه. وبعضنا يكفر بعضا!!
وفي سنة ٤١٢ صدر مرسوم في بغداد كفر به الخليفة القادر المعتزلة وأمر باستتابتهم، وقد سبق منهم العمل عند الخلقاء لقهر المحدثين والفقهاء في عصر المأمون والمعتصم والواثق وفي حياة الفيروزآبادي الشافعي قامت الفتنة على الشافعية سنة ٤٧٩. وفي سنة ٥٠٧ قال قاضي الحنفية بدمشق: لو كان لي من الأمر شئ لوضعت الجزية على الشافعية. وفي سنة ٥٦٧ قال أبو حامد الطوسي المقال نفسه في الحنابلة! وفي سنة ٥٥٤ حرقت الأسواق في أصفهان لنزاع الحنفية والشافعية. وفي سنة ٤٦٩ هاج الحنابلة في بغداد إذ ولى القشيري الوعظ بالمدرسة النظامية.
ومن قبل ذلك بعام سنة ٤٦٨ انتقل السمعاني من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي فثار الحنفية بمدينة مرو في خراسان فنفاه سلطانها حقنا لدمه. وفي العصر ذاته أمر ابن تاشفين بإحراق كتب الغزالي في احتفال رسمي بمسجد قرطبة!
وذات يوم رأى الوالي الحنفي في بلاد ما وراء النهر في مخرجه للصلاة في الصباح مسجدا للشافعية فقال: أما آن لهذا الكنيسة أن تغلق؟ وفي جيلان كان القوم حنابلة إذا قدم عليهم حنفي قتلوه!
وجعلوا ماله فيئا للمسلمين! وأما أهل الأندلس فكانوا مالكية يطردون من الأندلس الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي إذا وفد عليها. فإن كان معتزليا فربما قتلوه...
ومن سد الذريعة أفتى البعض بتعزير من يترك مذهبا لمذهب.
وفي القرن الثامن من الهجرة فصل من التدريس بمصر أبو العباس الحنبلي (٧١٦) لأنه ذكر أن عمر منع تدوين الحديث، وأن ذلك كان سبب تعارض النصوص في الحديث وخلاف العلماء.
وفي القرن العاشر علقت على باب زويلة رأس المولى ظهير المدين الأردبيلي لأنه قال إن مدح الصحابة ليس بفرض!
وفي تركيا قتل في عهد السلطان سليم الأول (926) نحو أربعين ألفا من الشيعة.
وهكذا تدور رحى البطش في كل اتجاه، لكن لها قانونا لا يتخلف هو أن الباطشين اليوم مبطوش بهم غدا.
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 3
2 الباب الأول ظهور الإسلام 11
3 ظهور الإسلام 13
4 الفصل الأول: أخو النبي صلى الله عليه و سلم 15
5 الفصل الثاني: أبو الشهداء 39
6 ريحانة النبي في كربلاء 51
7 الباب الثاني بين السلطان و الامام 65
8 الفصل الأول: بين السلطان و الامام 69
9 أهل البيت 71
10 بين أبناء على و بنى العباس 78
11 الفصل الثاني: الرجلان 95
12 الباب الثالث امام المسلمين 113
13 الفصل الأول: في المدينة المنورة 117
14 أهل المدينة 127
15 زين العابدين 134
16 الباقر 140
17 الفصل الثاني: امام المسلمين 145
18 مجالس العلم 153
19 التلاميذ الأئمة 158
20 كل العلوم 165
21 مع القرآن 172
22 مع أهل الكوفة و أبي حنيفة 178
23 المذهب الجعفري 185
24 الباب الرابع المدرسة الكبرى 193
25 الفصل الأول: المدرسة الكبرى 197
26 المصحف الخاص أو كتاب الأصول 199
27 مصحف فاطمة 200
28 التدوين 200
29 مشيخة العلماء 210
30 التلاميذ من الشيعة 217
31 الفصل الثاني الدرس الكبير 229
32 السنة 238
33 الإمامة 246
34 أمور خلافية في الفقه 259
35 الباب الخامس المنهج العلمي 275
36 الفصل الأول التجربة و الاستخلاص 279
37 الفصل الثاني في السياسة و الاجتماع 309
38 في الدولة و قواعدها 312
39 المجتمع الجعفري 325
40 في المجتمع و دعائمه 331
41 الاخوة 334
42 المرأة 338
43 العلم 339
44 الدعاء 341
45 الفصل الثالث المنهج الاقتصادي 343
46 العمل 347
47 المضطرب بما له و المترفق بيده 349
48 المال 357
49 العبادة و النفاق المال 358
50 كنز المال 364
51 الباب السادس في الرفيق الاعلى 367
52 عدالة السماء 375