الحكم من أبناء عمومته يومذاك تحت ضربات الحاكمين لأنهم خرجوا في ظروف غير مناسبة بعد أن استهوتهم عاطفة أنصارهم، وحماسة أتباعهم، فراحوا بين حبيس وقتيل ومشرد بينما بقي هو ومن اتبعه من إخوانه وأنصاره والمعجبين به، راسخين كالأطواد ثابتين لا تزعزعهم الرياح العاصفة والرعود السياسية المدوية. واستطاع بحكمته هذه أن يترك لمن بعده تراثا غنيا في حقل المعرفة والأخلاق.
العلوم التي شارك فيها قلت إن مشاركة الإمام في المعرفة كانت مشاركة شاملة، وأن جهوده في نقل التراث الفكري والديني إلى الأجيال من بعده جهود فائقة الأثر، بالغة القيمة. وكان من خير نتائج هذه الجهود أنه ترك وراءه مدرسة فكرية خاصة، يأتم بها الناس من بعده. ترك تعاليم من عنده لطلابه، ومنهجا محددا للباحثين على طريقته، وحلولا لكل مسألة عرضت له، للمهتمين بتراثه.
أما التعاليم فكان على رأسها التوجيه المعنوي الذي يعتبر اليوم أساسا أوليا لكل روح علمية خالصة. جاء عن عمرو بن أبي المقدام، وهو أحد الثقات من مشاهير رجاله أنه: دخل يوما على الإمام أبي عبد الله، وهي المرة الأولى التي يقابله فيها فبادره الإمام الصادق قائلا، تعلموا الصدق قبل الحديث (1) وهو بقولته هذه إنما يضع حجر الأساس الأساس لتقرير كل رأي وتبين كل حقيقة علمية. فلم تحصد الإنسانية من مفاسد الجهل