مع المصطفى - الدكتورة بنت الشاطئ - الصفحة ١٠١
لكنهم عادوا خفية في الليلة الثالثة. فأخذ كل منهم مجلسه هناك، فباتوا يستمعون إلى القرآن حتى مطلع الفجر، لا يدري أحد منهم بمكان صاحبيه.
فلما جمعهم الطريق تناكروا واشتدوا على أنفسهم في التلاوم، وصمموا على ألا يبرحوا مكانهم إلا على عهد وثيق ألا يعودوا لمثلها أبدا.
وأصبح الصبح فخرج (الأخنس بن شريق) من بيته مبكرا، يريد أن يحسم الامر. أتى أبا سفيان في داره فابتدره قائلا:
- أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد.
قال أبو سفيان، في حيرة وتعثر، وقد بوغت بالسؤال:
- يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.
ثم أمسك لم يزد.
فتركه الأخنس لم يدر ما رأيه، ومضى إلى أبي الحكم بن هشام يسأله الرأي فيما سمع من محمد.
قال أبو جهل، في أخذة المباغتة:
- ما سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا. حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا: (منا نبي يأتيه الوحي من السماء) فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه (1).

(1) السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 337.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست