البحث حول المهدي عجّل اللّه فرجه - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٩٩
فعلى الرغم من قدرة الله - سبحانه وتعالى - على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلقا بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب، لأن الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعيا وموضوعيا من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخل الله - سبحانه وتعالى - أحيانا فيما يخص بعض التفاصيل التي لا تكون المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحيانا التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح بردا وسلاما على إبراهيم (1)، وإذا بيد اليهودي الغادر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تشل وتفقد قدرتها على الحركة (2)، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار والمشركين الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب (3)، إلا أن هذا كله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب، والمناخ الملائم لعملية التغيير على العموم قد تكون بالصورة الطبيعية ووفقا للظروف الموضوعية.
وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي (عليه السلام) لنجد أن عملية التغيير التي أعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخرى بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقا لذلك. ومن المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل اجتماعي محدود،

(١) إشارة إلى قوله تعالى: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) الأنبياء: ٦٨ - ٧٠.
(٢) راجع الرواية في تفسير ابن كثير ٢: ٣٣، وراجع: البحار / المجلسي ١٨: ٤٧ و ٥٢ و ٦٠، ٧٥ باب معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
(٣) تاريخ الطبري ٢: ٢٤٤ حوادث السنة الخامسة من الهجرة.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»