والورع والكف عن محارم الله انتهى فان الورع والكف لا يكونان الا عن كيفية نفسانية لظاهر الفرق بينه وبين مجرد الترك فتأمل وهو الظاهر من محكى النهاية حيث إنه ذكر بمضمون صحيحة ابن أبي يعفور وكذلك الوسيلة حيث قال العدالة تحصل بأربعة أشياء الورع والأمانة والوثوق والتقوى ونحوه المحكي عن القاضي حيث اعتبر فيها الستر والعفاف واجتناب القبايح فان الاجتناب خصوصا مع ضم العفاف إليه لا يكون بمجرد الترك و بمعناه المحكي عن الجامع حيث اخذ في تعريف العدل الكف والتجنب للكبائر ثم إنه ربما يذكر في معنى العدالة قولان آخران أحدهما الاسلام وعدم ظهور الفسق وهو المحكي عن ابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراق والشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع والثاني حسن الظاهر نسب إلى جماعة بل أكثر القدماء ولا ريب انهما ليسا قولين في العدالة وانما هما طريقان للعدالة ذهب إلى كل منهما جماعة ولذا ذكر جماعة من الأصحاب كالشهيد في الذكرى والدروس والمحقق في الجعفرية وغيرهما هذين القولين في عنوان ما به يعرف العدالة مع أن عبارة ابن الجنيد المحكي عنه ان كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر خلافها لا يدل الا على وجوب الحكم بعدالتهم وأوضح منه كلام الشيخ في الخلاف حيث إنه لم يذكر الا عدم وجوب البحث عن عدالة الشهود إذا عرف اسلامهما ثم احتج باجماع الفرقة واخبارهم وان الأصل في المسلم العدالة والفسق؟
طار عليه يحتاج إلى دليل نعم عبارة الشيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعنى فإنه قال إن العدل في اللغة ان يكون الانسان متعادل الأحوال متساويا وفي الشريعة من كان عدلا في دينه عدلا في مروته عدلا في احكامه فالعدل في الدين ان يكون مسلما لا يعرف منه شئ من أسباب الفسوق وفي المروة ان يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة إلى اخر ما ذكر انتهى موضع الحاجة لكن الظاهر أنه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة لا انه نفسها ولذا فسر العدالة في المروة بنفس الاجتناب لا بعدم العلم بالارتكاب هذا كله مع أنه لا يعقل كون عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر نفس العدالة لان ذلك يقتضى كون العدالة من الأمور التي يكون وجودها الواقعي عين وجودها الذهني وهذا لا يجامع كون ضده أعني الفسق أمرا واقعيا لا دخل للذهن فيه و (ح) فمن كان في علم الله مرتكبا للكبائر مع عدم ظهور ذلك لاحد يلزم ان يكون عادلا في الواقع فاسقا في الواقع لأن المفروض ان وجودها الواقعي عين وجودها الذهني واما بطلان اللازم فغنى عن البيان وكذا لو اطلع على أن شخصا كان في الزمان السابق مع اتصافه بحسن (الظ) لكل أحد مصرا على الكبائر (يق) كان فاسقا ولم يطلع ولا (يق) كان عادلا فصار فاسقا عند اطلاعنا فتبين من جميع ما ذكرنا ان هذين القولين لا يعقل ان يراد بهما بيان العدالة الواقعية ولا دليل للقائل بهما يفي بذلك ولا دلالة في عبارتهما المحكية عنهما ولا فهم ذلك من كلامهما من يعتنى به مثل الشهيد والمحقق وابن فهد وغيرهم ثم (الظ) رجوع القول الأول إلى الثالث أعني اعتبار الاجتناب مع الملكة لاتفاقهم وصراحة مستندهم كالنصوص والفتاوى على أنه تزول بارتكاب الكبيرة العدالة بنفسها ويحدث الفسق الذي هو ضدها و ح؟ فاما ان يبقى الملكة أم لا فان بقيت ثبت اعتبار الاجتناب الفعلي في العدالة وان ارتفعت ثبت ملازمة الملكة للاجتناب الفعلي فمراد الأولين من الملكة الباعثة على الاجتناب الباعثة فعلا لاما من شأنها ان يبعث ولو تخلف عنها البعث لغلبة الهوى وتسويل الشيطان ويوضحه توظيف الملكة في كلام بعضهم بل في معقد الاتفاق بالمانعة عن ارتكاب الكبيرة فان المتبادر المنع الفعلي بغير اشكال وأوضح منه تعريفها الشهيد في باب الزكاة من نكت الارشاد بأنها هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا يقع منها (معها) الكبيرة ولا الاصرار على الصغيرة بناء على أن الحيثية بيان لقوله تبعث لا قيد توضيحي للملازمة نعم يبقى الكلام في أن العدالة هل هي الملكة الموجبة للاجتناب أو الاجتناب عن ملكة أو كلاهما حتى يكون عبارة عن الاستقامة الظاهرة في الافعال والباطنة في الأحوال وهذا لا يترتب عليه كثير فائدة انما المهم بيان مستند هذا القول وعدم كون العدالة هي مجرد الاستقامة الظاهرية ولو من دون ملكة كما هو (ظ) من عرفت حتى يكون من علم منه هذه الصفة عادلا وان لم يكن فيه ملكتها ويدل عليه مضافا إلى الأصل (فتأمل) والاتفاق المنقول المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف بناء على أنه لا يبعد ارجاع كلام الحلى إلى المشهور كمالا يخفى والى ما دل على اعتبار الوثوق بدين امام الجماعة وورعه مع أن الوثوق لا يحصل بمجرد تركها المعاصي في جميع ما مضى من عمره ما لم يعلم أو يظن فيه ملكة الترك واعتبار المأمونية والعفة والصيانة والصلاح وغيرها مما اعتبر في الاخبار من الصفات النفسانية في الشاهد مع الاجماع على عدم اعتبارها زيادة على العدالة فيه وفي الامام صحيحة ابن أبي يعفور حيث سئل أبا عبد الله (ع) وقال بم يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى يقبل شهادته لهم وعليهم (فق) ان يعرفوه بالستر و العفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان وتعرف باجتناب الكبائر التي اوعدها الله عليها النار إلى آخره فان الستر والعفاف والكف قد وقع مجموعها المشتمل على الصفة النفسانية معرفا للعدالة فلا يجوز ان يكون أخص منها بل لابد من مساواته وقد يكون أعم إذا كان من المعرفات الجعلية كما جعل (ع) في هذه الصحيحة الدليل على هذه الأمور كون الشخص ساترا لعيوبه ودعوى ان (ظ) السؤال وقوعه عن الامارة