سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٤
بالدجال، وكيف مدحت المدينة الشريفة بأنه لا يدخلها؟ والجواب أنه كونه شهادة ورحمة ليس المراد بوصف ذلك ذاته، وإنما المراد أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه، وأنه سببه، فإذا تقرر ذلك واستحضر ما ورد في الأحاديث من أن طعن الجن (2) ظهر به مدح المدينة بأنه لا يدخلها إشارة إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة الشريفة، ومن اتفق دخوله إليها منهم لا يتمكن من آحاد أهلها بالطعن حماية من الله تعالى لهم منهم. فإن قيل:
طعن الجن لا يختص بوقوعه من كفارهم في مؤمني الانس، بل يقع من مؤمني الجن في كفار الانس، فإذا سلم منع الجن الكفار من المدينة لم يمنع من آمن منهم من دخولها فالجواب: إن دخول كفار الانس المدينة غير مباح، فإنه إذا لم يسكن المدينة إلا من أظهر الاسلام، جرت عليه أحكام المسلمين، وصار من لم يكن خالص الاسلام تبعا للخالص، فحصل الامن من دخول الجنة إليهم، فلذلك لا يدخلها الطاعون أصلا. قال الحافظ في بدل الطاعون في أخبار المدينة: وهذا الجواب أحسن من جواب القرطبي في المفهم حيث قال: (المعنى لا يدخلها من الطاعون مثل الذي في غيرها كطاعون عمواس (1) والجارف). وهو جواب صالح على تقدير التنزل أن لو وقع شئ من ذلك بها. وقال غيره: سبب الرحمة لم ينحصر في الطاعون وقد قال صلى الله عليه وسلم: (غير أن عافيتك أوسع لي)، فإن ذلك من خصائص المدينة الشريفة، ولوازم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها بالصحة. وأجاب المنبجي بأجوبة منها أنها صغيرة، فلو وقع بها الطاعون أفنى أهلها، ومنها أنه عوضهم عن الطاعون بالحمى لان الطاعون يأتي بعد مدة والحمى تتكرر في كل مدة فتعادلا. قال الحافظ: (ويظهر لي جواب أخص من هذه الأجوبة بعد استحضار حديث أبي عسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام)، الحديث، وهو أن لا حكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددا ومددا من زاد وغيره، وكانت المدينة وبيئة كما سبق، فناسب الحال الدعاء بتصحيح المدينة لتصح أجساد المقيمين لها ليقووا على جهاد الكفار، وخير النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين، يحصل لمن أصاب كلا منهما عظيم الثواب، وهما الحمى والطاعون، فاختار الحمى بالمدينة لان أمرها أخف من أمر الطاعون لسرعة الموت به غالبا.
فلما أذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمى ضعف الأجساد التي تحتاج إلى القوة في الجهاد، فدعا حينئذ بنقل الحمى إلى الجحفة فأجيب دعاؤه، وصارت المدينة من أصح بلاد الله، فإذا شاء الله موت أحد منهم، حصل له التي كانت من الطاعون بالقتل في

(1) عمواس رواه الزمخشري بكسر أوله، وكسر ثانيه. وغيره بفتح أوله وثانيه وسين مهملة آخره: كورة من فلسطين قرب بيت المقدس وكانت عمواس قصبتها قديما، وهي ضيعة جليلة على ستة أميال من بيت المقدس منها كان ابتداء الطاعون المنسوب إليها في زمن عمر، قيل مات فيه خمسة وعشرون ألفا. من مراصد الاطلاع 2 / 962، 963.
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 جماع أبواب معراجه صلى الله عليه وسلم الباب الأول: في بعض فوائد قوله تعالى (سبحان الذي أسرى...) 4
2 الباب الثاني: في تفسير أول سورة النجم 22
3 الباب الثالث: في اختلاف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج 55
4 الباب الرابع: في أي زمان ومكان وقع الإسراء 64
5 الباب الخامس: في كيفية الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تكرر أم لا 67
6 الباب السادس: في دفع شبهة أهل الزيغ في استحالة المعراج 74
7 الباب الثامن: في سياق القصة 79
8 الباب التاسع: في تنبيهات على بعض فوائد تتعلق بقصة المعراج 96
9 الباب العاشر: في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وكيف فرضت الصلاة 177
10 جماع أبواب بدء إسلام الأنصار الباب الأول: في نسبهم 181
11 الباب الثاني: في فضلهم وحبهم والوصية بهم والتجاوز بهم والتجاوز عن مسيئهم والنهي عن بغضهم 183
12 الباب الثالث: في بدء إسلامهم رضي الله عنهم 189
13 الباب الرابع: في ذكر يوم بعاث 192
14 الباب الخامس: في بيعة العقبة الأولى 194
15 الباب السادس: في بيعة العقبة الثانية 197
16 الباب السابع: في إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير 198
17 الباب الثامن: في بيعة العقبة الثالثة 201
18 الباب التاسع: في إسلام عمر بن الجموع 222
19 جماع أبواب الهجرة إلى المدينة الشريفة الباب الأول: في إذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة 224
20 الباب الثاني: في سبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريم وكفاية الله تعالى رسوله مكر المشركين حين أرادوا ما أرادوا 231
21 الباب الثالث: في قدر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ورؤياه الأرض التي يهاجر إليها 236
22 الباب الرابع: في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات 238
23 الباب الخامس: في تلقي أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزوله بقباء وتأسيس مسجد قباء 266
24 الباب السادس: في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وما آلت إليه 271
25 جماع أبواب بعض فضائل المدينة الشريفة الباب الأول: في بدء شأنها 281
26 الباب الثاني: في أسماء المدينة مرتبة على حروف المعجم 286
27 الباب الثالث: في النهي عن تسميتها يثرب 296
28 الباب الرابع: في محبته صلى الله عليه وسلم لها ودعائه لها ولأهلها 297
29 الباب الخامس: في عصمتها من الدجال والطاعون ببركته 303
30 الباب السادس: في الحث على الإقامة والموت بها والصبر علي لأوائها ونفيها الخبث والذنوب واتخاذ الأصول بها والنهي عن هدم بنيانها 306
31 الباب السابع: في وعيد من أحدث بها حدثا أو آوى محدثا 312
32 الباب الثامن: في تفضيلها على البلاد لحلوله صلى الله عليه وسلم فيها 315
33 الباب التاسع: في تحريمها 318
34 الباب العاشر: في ذكر بعض خصائصها 320
35 جماع أبواب بعض حوادث من السنة الأولى والثانية من الهجرة الباب الأول: في صلاته صلى الله عليه وسلم الجمعة ببني سالم بن عوف 331
36 الباب الثاني: في بناء مسجده الأعظم وبعض ما وقع في ذلك من الآيات 335
37 الباب الثالث: في بنائه صلى الله عليه وسلم حجر نسائه رضي الله عنهن 348
38 الباب الرابع: في بدء الأذان وبعض ما وقع في ذلك من الآيات 351
39 الباب الخامس: في مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم 363
40 الباب السادس: في قصة تحويل القبلة 370
41 جماع أبواب بعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود والمنافقين الباب الأول: في أخذ سبحانه وتعالى العهد عليهم في كتبهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم واعتراف جماعة منهم بنبوته ثم كفر كثير منهم بغيا وعنادا 376
42 الباب الثاني: في إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث بن أبي يوسف 379
43 الباب الثالث: في موادعته صلى الله عليه وسلم اليهود وكتبه بينه وبينهم كتابا بذلك 382
44 الباب الرافع: في سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح 385
45 الباب الخامس: في تحيرهم في مدة مكث هذه الأمة لما سمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور 391
46 الباب السادس: في سبب نزول سورة الإخلاص 396
47 الباب السابع: في إرادة شأس بن قيس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج 398
48 الباب الثامن: في سبب نزول قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) 400
49 الباب التاسع: في سؤالهم عن أشياء لا يعرفها إلا نبي وجوابه لهم 402
50 الباب العاشر: في رجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم في عقوبة الزاني 406
51 الباب الحادي عشر: في سؤاله لهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين 409
52 الباب الثاني عشر: في سحرهم إياه صلى الله عليه وسلم 410
53 الباب الثالث عشر: في معرفة بعض طغاة المنافقين 416