وأخبرت ان الدولة الإيرانية أنفقت للحصول على هذه النسخة ما يزيد عن ألف ليرة عثمانية ذهبا فأخذت بواسطة سفيرها في باريز صورة فوتوغرافية عن النسخة المخطوطة التي في مكتبة باريز وأودعتها خزانة المكتبة المنشأة في طهران باسم مكتبة المجلس واستعارها من المكتبة تيمور طاش وزير البلاط الملكي مع أن أنظمة المكتبات ان لا تخرج منها المخطوطات ولكن من يستطيع منع وزير البلاط ومن أخذها في بلاد الشرق فلما قتله الشاة رضا البهلوي بقيت في داره واتصلت إلى من بينه وبينهم مصاهرة من قبل زوجته واتصلت لي منهم. فانظر واعجب ان يكون كتاب من تاليف عالم من بلاد العجم وبلغتهم وفي تاريخ بلادهم ولا توجد نسخته في بلادهم بل توجد في باريز ويحتاجون في تحصيل صورة منها إلى دفع مبالغ طائلة. وهو يستشهد في هذا الكتاب باشعار كثيرة عربية من أجود الشعر بل لعله لا يستشهد بغير الاشعار العربية ودل انتقاؤه لها على معرفته بالشعر ولأجل ذلك كان يظن بعضهم ان أصل الكتاب بالعربية وترجم إلى الفارسية، وانا كنت أظن ذلك في أول الأمر لكن لما علمت عراقة المؤلف في اللغة العربية وحسن معرفته بالشعر العربي زال هذا الظن. وقد صرح فيه بأنه ألفه سنة 563 اي قبل وفاته بسنتين في زمان السلطان المؤيد اي آبه وهو على ما أفادنا بعض فضلاء الإيرانيين اسم قائد.
أشعاره أنشد لنفسه في الوشاح أشعارا منها في مخلص الدين أبي الفضل محمد بن عاصم كاتب الإنشاء في ديوان السلطان سنجر وهو ابن أخت أبي إسماعيل الطوغرائي (1).
كريم علاء أوج النجوم علاه * واوقظ نوام المديح نداه سرى واهتدى طبعي بنجم كماله * واحمد في وقت الصباح سراة له روضة أبدت من الورد نرجسا * وغصنا من الاقبال طاب جناه أعاد صواع القلب في رحل وده * وغادر في قلبي صواع هواه تفرق أشجان الأفاضل يمنة * ويجمع كل الصيد جوف فرآه لقد زرت أشراف الزمان وانما * أبى الفضل الا ان أزور فتاه ومما اورده لنفسه في وشاح الدمية قوله:
تراجعت الأمور على قفاها * كما يتراجع البغل الرموح وتستبق الحوادث مقدمات * كما يتقدم الكبش النطوح وقوله:
تشير بأطراف لطاف كأنها * أنابيب مسك أو أساريع مندل وترمي بلحظ فاتر الطرف فاتن * بمرود سحر بابلي مكحل ينم على ما بيننا من تجاذب * نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل قال ياقوت:
ومن شعره الذي اورده في الوشاح قوله في عزيز الدين أبي الفتوح علي بن فضل الله المستوفي الطغرائي ونقلته من خطه:
شموسي في أفق الحياة هلال * وامني من صرف الزمان محال واطلب والمطلوب عز وجوده * وارجو وتحقيق الرجاء خيال إلى كم ارجي من زماني مسرة * وقد شاب من رأس الزمان قذال وبال على الطاووس ألوان ريشه * وعلم الفتى حقا عليه وبال وللدهر تفريق الأحبة عادة * وللجهل داء في الطباع عضال لقد ساد بالمال المصون معاشر * واخلاقهم للمخزيات عيال وبينهم ذل المطامع عزة * وعندهم كسب الحرام حلال وله:
ضجيعي في ليلي جوى نحيب * وألفي في نومي ضنا ولغوب دجا ليل آمالي وابطا صبحه * وللمنذرات السود فيه نعيب وتلسعني الأيام فهي أراقم * وتخدعني الآمال فهي كذوب الا ليت شعري هل أبيتن ليلة * وباعي في ظل الوصال رحيب خليلي لا تركن إلى الدهر أمنا * فاحسانه بالسيئات مشوب وكم جاهل قد قال لي أنت ناقص * فهيج ليث الحقد وهو غضوب وعيرني بالعلم والحلم والنهى * قبائل من أهل الهوى وشعوب فقلت لهم لا تعذلوني فإنني * لصفو زجاجات العلوم شروب وما ضرني اني عليم بمشكل * وقد مس أهل الدهر منه لغوب لئن كان علم المرء جرما لديكم * فذلك جرم لست منه أتوب كفى حزنا اني مقيم ببلدة * بها صاحب العلم الرصين غريب قال وذكر في الوشاح أيضا قال دخلت على الأمير يعقوب بن إسحاق المظفر ابن نظام الملك فاكرمني وقابلني بالتعظيم والتفخيم فقلت بديهة:
يعقوب يظهر دائما في لفظه * عسلا لديه نظمه يعسو به وغدا بحمد الله صدرا مكرما * يعلو نطاق المشتري عرقوبه فسقى أنامله حدائق لفظه * وجرى على نهج العلى يعبوبه قد غاب يوسف خاطري عن مصره * ويشم ريح قميصه يعقوبه قال المؤلف شعر صاحبنا في الروية ليس بذلك الا قليلا منه فكيف به على البديهة ويعجبني قوله في الأبيات السابقة:
كفى حزنا اني مقيم ببلدة بها صاحب العلم الرصين غريب ومعنى البيت ادخل في الاعجاب من لفظة، وهذه الأبيات الأربعة لا تستحق الذكر لكننا ذكرناها لأن الكتاب لا باس ان يوجد فيه من هذا وذاك وقوله فسقى، كان يمكنه أن يقول فسقت أظن أنها غلبت عليه فيه العجمة. قال فأشار إلي وقال هل لك ان تنسج على منوالي فيما قلت فانشدني لنفسه:
أعاذل مهلا ليس عذلك ينفع * وقولك فينا دائما ليس ينجع وهل يبصر الصب المشوق على الجوى * وفي الوصل مشتاق وفي الهجر مجزع يقولون إن الهجر يشفي من الجوى * وان فؤاد الصب في القرب اجزع بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * الا ان قرب الدار أجدى وانفع نحن إلى ظل من العيش وارف * وعهد مضى منه مصيف ومربع قال المؤلف وهذا الأمير مضى في حلبة الشعر وليس من أهل هذه الحلبة فجاء غير سابق واخذ من غيره فلم يحسن الاخذ فان قوله يقولون والبيت الذي بعده مأخوذ من قول القائل:
وقد زعموا ان المحب إذا نأى * يمل وان البعد يشفي من الوجد بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * على أن قرب الدار خير من البعد قال فقلت أيها الصدر ليس للخل حلاوة العسل ولا للتكحل طلاوة الكحل. ومن أين للسراج نور الشمس وللكودن سبق الخيل الشمس.
ومن أين للضباب منفعة السحاب. فقال لا بد من ذلك فجمعت العجالة