قال وهذه الأبيات ليست في ديوان شعره الذي في أيدي الناس وانما هي في مجلدة بخط السري استصحبها أبو نصر سهل بن المرزبان من بغداد وهي عنده الآن وكل خبر عندنا من عنده. ولم يزل السري في ضنك من العيش إلى أن خرج إلى حلب واتصل بسيف الدولة واستكثر من المدح له فطلع سعده بعد الأفول وبعد صيته بعد الخمول وحسن موقع شعره عند الامراء من بني حمدان ورؤساء الشام والعراق ولما توفي سيف الدولة ورد السري بغداد ومدح المهلبي الوزير وغيره من الصدور فارتفق بهم وارتزق معهم وحسنت حاله وسار شعره في الآفاق ونظم حاشيتي الشام والعراق وسافر كلامه إلى خراسان وسائر البلدان اه.
ونحوه في معجم الأدباء الا انه قال: أسلمه أبوه صبيا للرفائين بالموصل. وقال: فلما جاد شعره انتقل من حرفة الرفو إلى حرفة الأدب واشتغل بالوراقة فكان ينسخ ديوان شعر كشاجم وكان مغرى به اه وقال ابن خلكان: كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل وهو مع ذلك يتولع بالأدب وينظم الشعر ولم يزل كذلك حتى جاد شعره ومهر فيه وقصد سيف الدولة ابن حمدان بحلب وأقام عنده مدة ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وجماعة من رؤسائها ونفق شعره وراج.
وحكى غير واحد من نقلة الأخبار انه جرى يوما في مجلس سيف الدولة ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه فقال السري أشتهي ان الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده ويرسم لي بمعارضتها ليتحقق بذلك انه أركب المتنبي في غير سرجه فقال له سيف الدولة على الفور عارض لنا قصيدته التي مطلعها : لعينيك ما يلقي الفؤاد وما لقي * وللحب ما لم يبق مني وما بقي قال السري فكتبت القصيدة واعتبرها في تلك الليلة فلم أجدها عن مختارات أبي الطيب فعلمت ان سيف الدولة انما قال ذلك لنكتة ورأيت المتنبي يقول في آخرها في ممدوحه سيف الدولة:
إذا شاء ان يلهو بلحية أحمق * أراه غباري ثم قال له الحق فقلت والله ما أشار سيف الدولة الا لهذا البيت فخجلت وأعرضت عن المعارضة.
اخباره مع الخالديين أبي عثمان سعيد وهو الأصغر وأخيه أبي بكر محمد وهو الأكبر ابني هاشم.
مر طرف منها في عنوان الخالديان ج 29 من هذا الكتاب ونعيد ذكر ذلك هنا وإذا لزم التكرار لتكون اخباره معهما مجتمعة.
الخالديان شاعران مجيدان مشهوران في عصرهما وبعده وقد شهد لهما بجودة الشعر أبو إسحاق الصابي فقال من أبيات:
أرى الشاعرين الخالديين سيرا * قصائد يفنى الدهر وهي تخلد جواهر من أبكار لفظ وعونه * يقصر عنها راجز ومقصد والسري الرفا ينسب إليهما انهما سرقا شعره وشعر غيره مثل كشاجم وأدخلاه في شعرهما وقد ظلمهما في ذلك فهما ان لم يكونا أشعر من السري وكشاجم فليسا دونهما فما الذي يدعوهما إلى سرقة شعرهما ولكنه حسد الصنعة والغني لا يسرق مال غيره لا لنهم أو طمع مفرط ولكن حيث يظن أو يعتقد ان سرقته ستظهر ويفتضح بها لا يقدم عليها وشعر السري وكشاجم مشهور معروف والغني الذي يمكنه تحصيل المال بدون كلفة لا يقدم على سرقته والخالديان غنيان بمواهبهما عن سرقة شعر من هو مثلهما أو دونهما على أن الثعالبي في اليتيمة صرح بان السري كان يدس في شعر كشاجم أحسن شعر الخالديين ليشنع عليهما قال في ج 1 ص 451 من اليتيمة: ولما جد السري في خدمة الأدب وانتقل عن تطريز الثياب إلى تطريز الكتاب شعر بجودة شعره ونابذ الخالديين الموصليين وناصبهما العداوة وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد والسري في طريقه يذهب وعلى قالبه يضرب وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه ويغلي سعره ويشنع بذلك على الخالديين ويغض منهما ويظهر مصداق قولة في سرقتهما فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الأصول المشهورة منها وقد وجدتها كلها للخالديين بخط أحدهما وهو أبو عثمان سعيد بن هاشم في مجلدة اتحف بها الوراق المعروق بالطرطوسي ببغداد أبا نصر سهيل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه ومنها وجدت الضالة المنشودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد بن هاشم ورأيت فيها أبياتا كتبها أبو عثمان لنفسه وأخرى كتبها لأخيه وهي بأعيانها للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ وبئست الهدية:
يا من أنامله كالعارض الساري * وفعله ابدا عار من العار أما ترى الثلج قد خاطت أنامله * ثوبا يزر على الدنيا بأزرار نار ولكنها ليست بمبدية * نورا وماء ولكن ليس بالجاري والراح قد أعوزتنا في صبيحتنا * بيعا ولو وزن دينار بدينار فامنن بما شئت من راح يكون لنا * نارا فانا بلا راح ولا نار ومن قوله أيضا ألذ العيش في وصل الصبيح * وعصيان النصيحة والنصيح واصغاء إلى وتر وناي * إذا ناحا على زق جريح غداة دجنة وطفاء تبكي * إلى ضحك من الدهر المليح وقد حديث فلائصها الحيارى * بحاد من رواعدها فصيح وبرق مثل حاشيتي رداء * جديد مذهب في يوم ريح قال هكذا بخط السري والذي بخط الخالدي حاشيتي لواء ولست أدري أأنسب هذه الحال إلى التوارد أم إلى المصالتة وكيف جرى الأمر فبينهم مناسبة عجيبة ومماثلة قريبة في تصريف أعنة القوافي وصياغة حلي المعاني اه وقال ابن خلكان كان بينه وبين أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هاشم الخالديين الموصليين الشاعرين المشهورين معاداة فادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره وفي تاريخ بغداد كان بينه وبين أبي بكر وأبي عثمان محمد وسعيد ابني هاشم الخالديين حالة غير جميلة ولبعضهم في بعض أهاج كثيرة فأذاه الخالديان اذى شديدا وقطعا رسمه من سيف الدولة وغيره فانحدر إلى بغداد ومدح بها الوزير أبا محمد المهلبي فانحدر الخالديان وراءه ودخلا إلى المهلبي وثلبا سريا عنده فلم يحظ منه بطائل وحصلا في جملة المهلبي ينادمانه وجعلا