وفي سنة 256 جهز الأمير منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر الجيوش إلى الري لحرب ركن الدولة وسبب ذلك أن أبا علي بن إلياس أطمعه في ممالك بني بويه وحسن له قصدها فجهز منصور العساكر مع صاحب جيوش خراسان محمد بن إبراهيم بن سيمجور الدواني وكاتب وشمگير والحسن بن الفيرزان يأمرهما بالتجهز لذلك ليسيرا مع عسكره فلما بلغ الخبر ركن الدولة أتاه ما لم يكن في حسبانه وأخذه المقيم المقعد فسير أولاده وأهله إلى أصبهان وكاتب ولده عضد الدولة يستمده وكاتب ابن أخيه عز الدولة بختيار يستنجده فاما عضد الدولة فإنه جهز العساكر وسيرهم إلى طريق خراسان وأظهر أنه يريد قصد خراسان فبلغ الخبر أهل خراسان فأحجموا قليلا ثم ساروا حتى بلغوا الدامغان وبرز ركن الدولة في عساكره من الري نحوهم فاتفق موت وشمگير كان يتصيد فحمل عليه خنزير فشب به فرسه فألقاه فمات وذلك في المحرم سنة 357 وانتقض جميع ما كانوا فيه وكفى الله ركن الدولة شرهم ولما مات وشمگير قام ابنه بيستون مقامه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده ركن الدولة بالمال والرجال.
حسن النية وكرم المقدرة لركن الدولة.
قال ابن الأثير ومن أعجب ما يحكى مما يرغب في حسن النية وكرم المقدرة أن وشمگير لما اجتمعت معه عساكر خراسان وسار كتب إلى ركن الدولة يتهدده بضروب من الوعيد والتهديد ويقول والله لئن ظفرت بك لأفعلن بك ولأصنعن بألفاظ قبيحة فلم يتجاسر الكاتب أن يقرأه فاخذه ركن الدولة فقرأه وقال للكاتب اكتب إليه أما جمعك واحشادك فما كنت قط أهون منك علي الآن وأما تهديدك وإيعادك فوالله لئن ظفرت بك لأعاملنك بضده ولأحسنن إليك ولأكرمنك فلقي وشمگير سوء نيته ولقي ركن الدولة حسن نيته وكان بطبرستان عدو لركن الدولة يقال له نوح بن نصر شديد العداوة له لا يزال يجمع له ويقصد أطراف بلاده فمات الآن. وعصى عليه بهمذان إنسان يقال له أحمد بن هارون الهمذاني لما رأى خروج عساكر خراسان وأظهر العصيان فلما أتاه خبر موت وشمگير مات لوقته وكفى الله ركن الدولة هم الجميع وفي سنة 357 عصى حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار فأرسل وزيره حتى احتال عليه وأسره وحبسه برامهرمز فأرسل عمه ركن الدولة فخلصه. وفي سنة 359 جهز ركن الدولة وزيره أبا الفضل ابن العميد في جيش كثيف وسيرهم إلى بلد حسنويه بن الحسين الكردي فان حسنويه كان قد قوي واستفحل أمره لاشتغال ركن الدولة بما هو أهم منه ولأنه كان يعين الديلم على جيوش خراسان إذا قصدتهم فكان ركن الدولة يراعيه لذلك وكان يتعرض إلى القوافل وغيرها بخفارة فبلغ ذلك ركن الدولة فسكت عنه فلما كان الآن وقع بينه وبين سهلان بن مسافر خلاف وحرب فهزمه حسنويه وضيق عليه وعلى أصحابه حتى طلبوا الأمان فاخذهم عن آخرهم وبلغ ذلك إلى ركن الدولة فلم يحتمله فحينئذ أمر ابن العميد بالمسير إليه فتجهز وسار في المحرم ومعه ولده أبو الفتح فلما وصل همذان توفي وقام ولده مقامه فصالح حسنويه على مال أخذه منه وعاد إلى الري إلى خدمة ركن الدولة وفي سنة 361 تم الصلح بين الأمير منصور بن نوح الساماني صاحب خراسان وما وراء النهر وبين ركن الدولة وعضد الدولة على أن يحملا إليه كل سنة مائة ألف وخمسين ألف دينار وكتب بينهم كتاب صلح شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق وكان الذي سعى في هذا الصلح وقرره محمد بن إبراهيم بن سيمجور صاحب جيوش خراسان من جهة الأمير منصور. وفي سنة 364 قبض عضد الدولة على ابن عمه بختيار الملقب عز الدولة كما مر في ترجمة بختيار، فلما بلغ ذلك ركن الدولة القى نفسه عن سريره إلى الأرض وتمرع عليها وامتنع عن الأكل والشرب عدة أيام ومرض مرضا لم يستقل منه باقي حياته. وكان محمد بن بقية قد عصي على عضد الدولة وحاربه عضد الدولة فهزم عسكره عضد الدولة، فكتب ركن الدولة إليه وإلى من انتصر لبختيار يأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم أنه على المسير إلى العراق لاخراج عضد الدولة وإعادة بختيار. فاضطربت النواحي على عضد الدولة لما علموا إنكار أبيه عليه، فرأى إنفاذ أبي الفتح ابن العميد إلى أبيه يعرفه ما جرى له وما فرق من الأموال وضعف بختيار، وإنه إن أعيد إلى حاله خرجت المملكة منهم وقال لأبي الفتح ان أجاب إلى ما تريد وإلا فقل له إني أضمن العراق كل سنة بثلاثين ألف ألف درهم وأبعث بختيار وأخويه إليك فان اختاروا أقاموا عندك وإن اختاروا بعض بلاد فارس سلمته إليهم وان أحببت ان تحضر إلى العراق وأعود انا إلى فارس فالامر إليك. فان أجاب، والا فقل له: أيها السيد الوالد أنت مقبول الحكم والقول ولكن لا سبيل إلى اطلاق هؤلاء بعد مكاشفتهم وسيقاتلونني بغاية ما يقدرون عليه فتنتشر الكلمة، فان قبلت فانا العبد الطائع، وان أبيت فسأقتل بختيار وأخويه واخرج عن العراق. فخاف ابن العميد ان يسير بهذه الرسالة وأشار ان يسير بها غيره ويسير هو بعد ذلك ويكون كالمشير على ركن الدولة. فأرسل عضد الدولة رسولا بذلك وسير بعده ابن العميد، فلما حضر الرسول وأدى بعض الرسالة وثب اليه ركن الدولة ليقتله فهرب، ثم رده بعد ان سكن غضبه، وقال قل لفلان يعني عضد الدولة وسماه بغير اسمه وشتمه: خرجت إلى نصرة ابن أخي أو للطمع في مملكته؟! أما عرفت اني نصرت الحسن بن الفيرزان وهو غريب مني مرارا كثيرة أخاطر فيها بملكي ونفسي، فإذا ظفرت أعدت له بلاده ولم اقبل منه ما قيمته درهم واحد. ثم نصرت إبراهيم بن المزبان واعدته إلى آذربيجان وأنفذت وزيري وعساكري في نصرته ولم آخذ منه درهما واحد.
كل ذلك طلبا لحسن الذكر ومحافظة على الفتوة، وتريد ان تمن علي أنت بدرهمين أنفقتهما علي وعلى أولاد أخي، ثم تطمع في ممالكهم وتهددني بقتلهم. فعاد الرسول ووصل ابن العميد فحجبه عنه ولم يسمع حديثه وتهدده بالهلاك. وانفذ اليه يقول: لأتركنك وذلك الفاعل يعني عضد الدولة تجتهدان جهدكما ثم لا أخرج اليكما الا في ثلاثمائة جمازة وعليها الرجال، ثم أثبتوا ان شئتم. فوالله لا أقاتلكما الا بأقرب الناس اليكما.
وكان ركن الدولة يقول انني أرى أخي معز الدولة كل ليلة في المنام يعض على أنامله ويقول: يا أخي هكذا ضمنت لي ان تخلفني في ولدى. وكان ركن الدولة يحب أخاه محبة شديدة لأنه رباه فكان عنده بمنزلة الولد. ثم إن الناس سعوا لابن العميد وتوسطوا الحال بينه وبين ركن الدولة وقالوا انما تحمل ابن العميد هذه الرسالة ليجعلها طريقا للخلاص من عضد الدولة والوصول إليك لتأمر بما تراه، فاذن له بالحضور عنده، فضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق. فرده إلى عضد الدولة وعرفه جلية الحال فعاد العضد إلى فارس وأعاد بختيار. ثم جرى لبختيار ما مر في ترجمته. وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 366: في هذه السنة في المحرم توفي ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه واستخلف على ممالكه ابنه عضد الدولة: وكان ابتداء مرضه حين سمع بقبض بختيار ابن أخيه معز الدولة وخاف عضد الدولة ان يموت أبوه وهو على حال