وكذاك ينسى كل من سكن الثرى * وتمله الزوار حين يموت قال الفضيل فوقع بهلول مغشيا عليه فتركته وانصرفت. وفي كتاب عقلاء المجانين عن عبد الرحمن الأسلمي قال قال أبي لبهلول اي شئ أولى بك؟ قال العمل الصالح. وفيه عن علي بن الحسين قال.
لما مات أبو بهلول خلف ستمائة درهم، فاخذها القاضي وحجز عليها، فاتاه بهلول فقال اصلح الله القاضي أ وتزعم اني مصاب في عقلي فانا جائع فادع لي بمائتي درهم حتى اقعد في أصحاب الحلقان أبيع واشتري فان رأيت مني رشدا ضممت إليها الباقي وان تلفت فالذي أتلفت أقل مما بقي، فدعا القاضي بالكيس ووزن له مائتي درهم، فاخذها بهلول ولزم الحيرة حتى انفدها، ثم جاء إلى القاضي وهو في مجلس الحكم فقال يا بهلول ما صنعت؟ فقال أعز الله القاضي أنفقتها فان رأى القاضي ان يزن من ماله مائتي درهم ويردها إلى الكيس حتى يرجع الكيس إلى ما كان، قال القاضي فتجحد لي ما أخذت؟ قال كلا ولكني أقمت عندك شاهدين باني موضع لها، قال صدقت، ودعا بمائتي درهم وردها إلى الكيس انتهى. وعن محاضرات الراغب مثله أقول أظن هذه الحكاية موضوعة على لسانه فان من يمتنع من جائزة الرشيد ويكون بهذا الزهد لا يحتال على القاضي باخذ المال ولكن الناس تضع على كل أحد ما يناسب حاله كما وضعوا على جحى كل ما فيها سخف وعلي أبي نواس كل ما فيه مجون وعلى مجنون ليلى كل شعر فيه تواجد، وأظن أن من هذا القبيل ما رأيته في بعض المواضع من أن البهلول مر بقوم عشرة من أصل شجرة فقالوا تصعد هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم قال نعم فاعطوه إياها فجعلها في كمه ثم قال هاتوا سلما، فقالوا لم يكن هذا في الشرط فقال كان في شرطي دون شرطكم. فإذا كانت صفاته ما مر كيف يحتال لأخذ المال.
كتبه إلى الخلفاء والقضاة والأمراء ذكر صاحب كتاب عقلاء المجانين انه كتب إلى الواثق وابن أبي دؤاد والخلعي صاحب شرطة بغداد وفي هذه الكتب انكار خلق القرآن وذم معتقده، وفي كتابه للواثق من الخائف الذليل إلى المخالف لكلام ربه تعالى. وفي كلامه لابن أبي دؤاد من الصادق المتواضع إلى الكاذب المتكبر. وانا أظن أن هذه الكتب موضوعة عليه، أولا لأن الواثق بويع بالخلافة سنة 227 وتوفي سنة 232 وبهلول توفي سنة وكان في عصر الرشيد كما مر، ثانيا أنه لم يكن ليكتب إلى الواثق وهو الخليفة بأنه مخالف لكلام ربه تعالى وقد مر توقيه من الكلام على التفضيل بين العلويين والعباسيين ولم يكن ليكتب إلى القاضي ابن أبي دؤاد ويصفه بالكاذب المتجبر وهو قاضي قضاة الواثق، وكذلك ما حكاه في الكتاب المذكور عن صباح الوزان الكوفي أنه قال لقيت بهلول يوما فقال لي أنت الذي يزعم أهل الكوفة انك تقول في الشيخين؟ فقلت معاذ الله ان أكون من الجاهلين الخ... والله العالم.
ما قاله بهلول من الشعر أو أنشده زيادة على ما مر في كتاب عقلاء المجانين لبهلول في الترقيق اضمر من اضمر حبي له * فيشتكي اضمار اضمار رق فلو مرت به ذرة * لخضبته بدم جاري وله أيضا في ارق منه أضمر ان يأخذ المرآة لكي * ينظر تمثاله فأدناها فجاء وهم الضمير منه إلى * وجنته في الهوى فأدماها وله أيضا شبهته قمرا إذ مر مبتسما * فكاد يجرحه التشبيه أو كلما ومر في خاطري تقبيل وجنته * فسيلت فكري من عارضيه دما وله إذا خان الأمير وكاتباه * وقاضي الأرض داهن في القضاء فويل ثم ويل ثم ويل * لأهل الأرض من أهل السماء وفيه قال عبد الواحد بن زيد مر بهلول برجل قد وقف على جدار رجل يكلم امرأة فأنشأ يقول كن حبيبا إذا خلوت بذنب * دون ذي العرش من حكيم مجيد؟
أ تهاونت بالاله بديا * وتواريت عن عيون العبيد أ قرأت القرآن أم لست تدري * ان ذا العرش دون حبل الوريد ثم ولى وهو يقول من نوقش في الحساب غفر له، فقلت له من نوقش الحساب عذب، فقال اسكت يا بطال ان الكريم إذا قدر غفر.
وفيه قال عبد الخالق سمعت أبي يقول سمعت بهلولا يقول من كانت الآخرة أكبر همه اتته الدنيا وهي راغمة، ثم أنشأ يقول يا خاطب الدنيا إلى نفسه * تنح عن خطتها تسلم ان التي تخطب غدارة * قريبة العرس من المأتم قال ولبهلول حقيق بالتواضع من يموت * وحسب المرء من دنياه قوت فما للمرء يصبح ذا اهتمام * وشغل لا تقوم له النعوت صنيع مليكنا حسن جميل * وما أرزاقنا مما يفوت فيا هذا سترحل عن قريب * إلى قوم كلامهم السكوت وفيه قال علي بن خالد بت ليلة على سور طرسوس فمر بهلول فلكزني برجله ثم أنشأ يقول يا طالب الحور أ لا تستحي * يحملك النور على السور وخاطب الحور طويل البكا * مقيد الأعضاء محصور لا يطعم الغمض وما ان له * راحة جسم أو يرى الحور في جنة زخرفها ذو العلى * ينعم فيها كل محبور قال فانتبهت فزعا ولم أنم بعد ذلك في الحرس. وفيه قال محمد بن خالد الواسطي أنشدني بهلول يقول دع الحرص على الدنيا * وفي العيش فلا تطمع ولا تجمع من المال * فما تدري لمن تجمع فان الرزق مقسوم * وسوء الظن لا ينفع فقير كل ذي حرص * غني كل من يقنع وفيه قال كثير بن روح رأيت بهلولا ذات يوم يتمثل وهو يقول هذه الأبيات