سليمان لعمرو بن عطاء كنت تريد أن تناظره، وهو في حديث الورود جعلك ساكتا مبهوتا، فقال بهلول أيها الأمير هذا الأمر ليس صعبا عند الله تعالى أ ما قرأت قوله تعالى فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين. ثم قال محمد بن سليمان للبهلول المجلس مجلسي وقد أذنت لك في الجلوس. فدعا له بهلول فقال عمر الله مجلسك وأسبغ نعمه عليك وأوضح برهان الحق لديك وأراك الحق حقا وأعانك على اتباعه وأراك الباطل باطلا وأعانك على اجتنابه، فقال عمرو بن عطاء يا بهلول التزم طريق الحق وابتعد عن الهزل وتكلم كلاما حسنا فقال بهلول ويلك هل يوجد كلام أحسن من هذا الكلام الإلهي وهل يوجد كلام جدي غيره، فأنت تكلم كلاما نقيا ولا تشر إلى عيوب الناس قبل أن تنظر في عيب نفسك، فقال عمرو بن عطاء يا بهلول أنت ترى نفسك من مشهوري زمانك وتدعي الاطلاع على المعارف فأريد إما أن تسألني أو أسألك، فقال بهلول لا أحب أن أكون سائلا ولا مسؤولا فقال العدوي لما ذا؟ قال لأني إذا سألتك عن شئ لا تعلمه لا تقدر أن تجيبني عنه، وإذا سألتني تسألني بطريق أهل التعنت والعناد فيختلط الحق بالباطل، والذين هم كذلك نهى الله تعالى عن مجالستهم بقوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسيك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
فقال العدوي ان كنت من أهل الايمان فقل لي ما هو الايمان، فقال بهلول قال مولاي جعفر بن محمد الصادق ع الايمان عقد بالقلب وقول باللسان وعمل الجوارح والأركان، فقال العدوي تقول ان امامك الصادق فيظهر من هذا انه في زمانه لم يكن صادق غيره؟ فقال بهلول هو كذلك ومع ذلك فهذا يجري عليك فان جدك سمي أبا بكر الصديق، فهل في زمانه لم يكن صديق غيره، فقال العودي بلى لم يكن غيره، فقال بهلول كلامك هذا رد على الكتاب والسنة، أما الكتاب فلأن الله تعالى جعل من آمن بالله ورسوله صديقا فقال والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون، وأما السنة فلأن الرسول ص قال لبعض أصحابه إذا فعلت الخير كنت صديقا، فقال العدوي ان أبا بكر سمي صديقا لأنه أول رجل صدق الرسول ص. فقال بهلول مع أن الأولية ممنوعة تخصيصه بذلك خطا في اللغة ورد على الآية المذكورة.
فترك العدوي هذه الجهة وجعل ينتقل معه من غصن إلى غصن إلى أن قال لبهلول من امامك؟ قال امامي من أوجب الرسول له على الخلق الولا وتكاملت فيه الخيرات وتنزه عن الأخلاق الدنيات. ذلك امامي وامام البريات. فقال له العدوي ويلك إذا لا ترى ان امامك هارون الرشيد، فقال البهلول أنت لأي شئ ترى أن أمير المؤمنين خال من هذه الصفات والمحامد والله إني لا أظن إلا أنك عدو لأمير المؤمنين مخالف له في الباطن وتظهر الاعتقاد بخلافته وأقسم بالله لو بلغه هذا الخبر لأدبك تأديبا بليغا. فضحك عند ذلك محمد بن سليمان وقال لعمرو بن عطاء والله لقد ضيعك بهلول وجعلك لا شئ وأوقعك في الورطة التي أردت أن توقعه فيها وما أحسن بالانسان أن يبتعد عما لا يحسنه وما أقبح به أن يدخل في شئ يعلم أنه ليس من أهله، ثم أمر بعض غلمانه فاخذ بيد عمرو بن عطاء وأخرجه من المجلس وقال لبهلول ما الفضل إلا فيك وما العقل الا عندك والمجنون من سماك مجنونا، يا بهلول أخبرني أيهما أفضل علي بن أبي طالب أو أبو بكر، فقال بهلول أصلح الله الأمير إن عليا من النبي ص كالصنو من الصنو والعضد من الذراع، وأبو بكر ليس منه ولا يوازيه في فضله الا مثله ولكل فاضل فضله. ثم قال محمد بن سليمان لبهلول أخبرني أولاد علي أحق بالخلافة أو أولاد العباس فرأى بهلول أن المقام حرج فسكت خوفا من محمد، فقال له محمد لم لا تتكلم؟ فقال بهلول أين للمجانين قوة تمييز وتحقيق هذه الأمور، دع عنك ذكر ما مضى وأصلح ما نحن فيه الآن فإنني جائع، قال محمد بن سليمان ما تشتهي؟ قال ما يسد باب الجوع. فامر محمد أن يحضروا له عدة ألوان من الطعام مع شئ من الخبز، فاحضروا ذلك فقال كل فقال بهلول أصلح الله الأمير ما طاب طعام المخشى ولا المغشى يعني لا ينبغي الأكل في الظلمة ولا بين جماعة فائذن لي أن آخذ هذا الطعام وأخرج إلى خارج المجلس، فاذن له. فالقى تلك الأطعمة على الأرض وفر هاربا وهو يقول هذه الأبيات ان كنت تهواهم حقا بلا كذب * فالزم جنونك في جد وفي لعب إياك من أن يقولوا عاقل فطن * فتبتلى بطويل الكد والنصب مولاك يعلم ما تطويه من خلق * فما يضرب ان سبوك بالكذب فاجتمع الأطفال الذين كانوا حوله وأخذوا ذلك الطعام وهرب منهم ودخل مسجدا كان قريبا من ذلك المكان وأغلق بابه ووقف خلف الباب وجعل يقرأ هذه الآية فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. فلما رأى محمد بن سليمان ما جرى لبهلول مع الأطفال ضحك وأمر بطرد الأطفال وقال لا إله إلا الله لقد رزق علي بن أبي طالب لب كل ذي لب. ونقل أن جماعة من الظرفاء يعرفون عقيدة بهلول، قالوا له ورد في الأخبار أنه لو وزن إيمان الشيخين بايمان جميع الأمة لرجح أيمانهما على أيمان جميع الأمة، فقال بهلول على البديهة ان كان هذا الخبر صحيحا فلا بد أن يكون الميزان غير مضبوط. وذكروا أن بهلولا حضر مجلس جماعة يتذاكرون الحديث فرووا في أثناء ذلك عن أم المؤمنين انها قالت لو أدركت ليلة القدر ما سالت ربي الا العفو والعافية، فقال بهلول تركتم نصف الدعاء. قالوا وما هو؟ قال والظفر بعلي بن أبي طالب.
أخباره في الروضات حكي أن الوزير قال له يوما يا بهلول طب نفسا فان الخليفة ولاك على الخنازير والذئاب، فقال إذا عرفت ذلك فالزم نفسك كي لا تخرج عن طاعتي وولايتي، فضحك الحاضرون وخجل الوزير. وقيل له يوما وهو في البصرة عد لنا مجانين البلد فقال كيف وهم لا يحصون فان شئتم أعد لكم العقلاء انتهى وسئل بهلول عن رجل مات وخلف اما وابنا وابنة وزوجة ولم يخلف مالا فقال لأمه الثكل ولابنه وابنته اليتم وللزوجة خراب البيت وما بقي من الهم فللعصبة، وفي كتاب عقلاء المجانين تاليف الحسن بن محمد النيسابوري صاحب التفسير المشهور قال الحسن بن سهل بن منصور سمعت بهلولا وقد رماه الصبيان بالحصى وقد أدمته حصاة فقال