لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما * لأجل العطايا واللهى تفتح اللهى تنبأ عجبا بالقريض ولو درى * بأنك تروي شعره لتالها منها في وصف الفازة:
وأحسن من ماء الشبيبة كله * حيا بارق في فازة انا شائمه عليها رياض لم تحكها سحابة * وأغصان دوح لم تغن حمائمه وفوق حواشي كل ثوب موجه * من الدر سمط لم يثقبه ناظمه وفي صور الرومي ذي التاج ذلة * لأبلج لا تيجان الا عمائمه تقبل أفواه الملوك بساطه * ويكبر عنها كمه وبراجمه ومنها في وصف الجيش:
له عسكرا خيل وطير إذا رمى * بها عسكرا لم يبق الا جماجمه فقد مل ضوء الصبح مما تغيره * ومل سواد الليل مما تزاحمه ومل القنا مما تدق صدوره * ومل حديد الهند مما تلاطمه سحاب من العقبان يزحف تحتها * سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه ومنها يصف ما لاقاه من المتاعب حتى وصل إليه:
سلكت صروف الدهر حتى لقيته * على ظهر عزم مؤبدات قوائمه مهالك لم تصحب بها الذئب نفسه * ولا حملت فيها الغراب قوادمه فأبصرت بدرا لا يرى البدر مثله * وخاطبت بحرا لا يرى العبر عائمه غضبت له لما رأيت صفاته * بلا واصف والشعر تهذي طماطمه وكنت إذا يممت أرضا بعيدة * سريت فكنت السر والليل كاتمه لقد سل سيف الدولة المجد معلما * فلا المجد مخفيه ولا الضرب ثالمه على عاتق الملك الأغر نجاده * وفي يد جبار السماوات قائمه تحاربه الأعداء وهي عبيده * وتدخر الأموال وهي غنائمه ويستكبرون الدهر والدهر دونه * ويستعظمون الموت والموت خادمه وان الذي سمى عليا لمنصف * وان الذي سماه سيفا لظالمه وما كل سيف يقطع الهام حده * وتقطع لزبات الزمان مكارمه ولما عزم سيف الدولة على الرحيل عن أنطاكية قال أبو الطيب يمدحه من قصيدة:
أين أزمعت أيهذا الهمام * نحن نبت الربى وأنت الغمام نحن من ضايق الزمان له فيك * وخانته قربك الأيام كل يوم لك احتمال جديد * ومسير للمجد فيه مقام وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في جوارها الأجسام ولنا عادة الجميل من الصبر * لو انا سوى نواك نسام كلما قيل قد تناهى أرانا * كرما ما اهتدت إليه الكرام وكفاحا تكع عنه الأعادي * وارتياحا تحار فيه الأنام ويدل مطلع القصيدة وقوله نحن من ضايق الزمان الخ وقوله ولنا عادة الجميل الخ على أن أبا الطيب بقي في أنطاكية ولم يسافر إلى حلب مع سيف الدولة لكن تواريخ القصائد الأخر التي في رثاء والدة سيف الدولة والتي في جملة من وقائعه الواقعة تلك التواريخ سنة 337 تدل على أن أبا الطيب سافر من أنطاكية إلى حلب في هذه السنة عقيب سفر سيف الدولة.
وقال يمدحه عند رحيله من أنطاكية وقد كثر المطر:
رويدك أيها الملك الجليل * تأن وعده مما تنيل وجودك بالمقام ولو قليلا * فما فيما تجود به قليل ومثل العمق مملوء دماء * جرت بك في مجاريه الخيول إذا اعتاد الفتى خوض المنايا * فأهون ما يمر به الوحول ومن أمر الحصون فما عصته * أطاعته الحزونة و السهول يحيد الرمح عنك وفيه قصد * ويقصر ان ينال وفيه طول ولازم المتنبي سيف الدولة وبقي في حضرته نحو ثماني سنين من سنة 337 إلى سنة 345 وقال يمدح سيف الدولة ويهنئه بعيد الأضحى سنة 342 من قصيدة وأنشده إياها في ميدانه بحلب وهما على فرسيهما:
لكل امرئ من دهره ما تعودا * وعادة سيف الدولة الطعن في العدى هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا * على الدر واحذره إذا كان مزبدا تظل ملوك الأرض خاشعة له * تفارقه هلكى وتلقاه سجدا وتحيي له المال الصوارم والقنا * ويقتل ما تحيي التبسم والجدا لذلك سمى ابن الدمستق يومه * مماتا وسماه الدمستق مولدا فولى وأعطاك ابنه وجيوشه * جميعا ولم يعط الجميع ليحمدا وما طلبت زرق الأسنة وغيره * ولكن قسطنطين كان له الفدى فأصبح يجتاب المسوح مخافة * وقد كان يجتاب الدلاص المسردا ويمشي به العكاز في الدير تائبا * وما كان يرضى مشي أشقر أجردا وما تاب حتى غادر الكر وجهه * جريحا وخلى جفنه النقع أرمدا هنيئا لك العيد الذي أنت عيده * وعيد لمن سمى وضحى وعيدا فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى * كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا هو الجد حتى تفضل العين أختها * وحتى يكون اليوم لليوم سيدا ومن يجعل الضرغام للصيد بازه * تصيده الضرغام فيما تصيدا وما قتل الأحرار كالعفو عنهم * ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته * وان أنت أكرمت اللئيم تمردا ووضع الندى في موضع السيف بالعلى * مضر كوضع السيف في موضع الندى وما الدهر الا من رواة قصائدي * إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا فسار به من لا يسير مشمرا * وغنى به من لا يغني مغردا ودع كل صوت غير صوتي فإنني * انا الطائر المحكي والآخر الصدى تركت السرى خلفي لمن قل ماله * وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا وقيدت نفسي في ذراك محبة * ومن وجد الاحسان قيدا تقيدا وقال يمدحه بعد دخول رسول ملك الروم إليه:
دروع لملك الروم هذي الرسائل * يرد بها عن نفسه ويشاغل يقول فيها:
ارى كل ذي ملك إليك مصيره * كأنك بحر والملوك جداول إذا مطرت منهم ومنك سحائب * فوابلهم طل وطلك وابل وفيها يقول:
أفي كل يوم تحت ضبني شويعر * ضعيف يقاوبني قصير يطاول واتعب من ناداك من لا تجيبه * وأغيظ من عاداك من لا تشاكل وما التيه طبي فيهم غير انني * بغيض إلي الجاهل المتعاقل وقال يمدحه وقد جلس لرسول ملك الروم وقد ورد يلتمس الفداء من قصيدة:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي * وللحب ما لم يبق مني وما بقي