الوجوه قد شققن ثيابهن يدرن في البلد بالنوائح ويلطمن وجوههن على الحسين ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنية قدرة على المنع منه لكثرة الشيعة ولأن السلطان معهم وذكر نحو ذلك سنة 353 اه. وفي كتاب أحسن القصص تاليف القاضي أحمد بن نصر الله الدبيلي التتوي السندي عن تاريخ ابن كثير الشامي أنه قال: في سنة 352 أمر معز الدولة أحمد بن بويه في بغداد في العشر الأول من المحرم باغلاق جميع أسواق بغداد وان يلبس الناس السواد ويقيموا مراسم العزاء وحيث لم تكن هذه العادة مرسومة في البلاد لهذا رآها علماء أهل السنة بدعة كبيرة وحيث لم تكن لهم يد على معز الدولة لم يقدروا الا على التسليم وبعد هذا في كل سنة إلى انقراض دولة الديالمة الشيعة في العشرة الأولى من المحرم من كل سنة يقيمون مراسم العزاء في كل البلاد. وكان هذا في بغداد إلى أوائل سلطنة السلطان طغرل السلجوقي اه.
قال صاحب الكتاب: أول شخص عمل الشبيه في إقامة العزاء معاوية فإنه لما قتل عثمان أحضر قميصه وأصابع زوجته نائلة إلى الشام وكان في كل جمعة يحضرها في الجامع بحضور أهل الشام فوق المنبر اه.
وقوله: وان يخرج النساء الخ... مبالغ فيه فابراز النساء شعورها امام الأجانب محرم بضرورة الدين فكيف يقدم عليه معز الدولة وهو إنما يفعل ذلك تدينا وكيف يمكنه أهل الدين منه.
قال ابن الأثير: وفيها في ثامن ذي الحجة أمر معز الدولة باظهار الزينة في البلد وأشعلت النيران بمجلس الشرطة وأظهر الفرح وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد فعل ذلك فرحا بعيد الغدير يعني غدير خم وضربت الدبادب والبوقات وكان يوما مشهودا قال: وكانت إحدى يديه مقطوعة واختلف في سبب قطعها فقيل قطعت بكرمان في حرب ابن كلويه كما يأتي وقيل غير ذلك شجاعة معز الدولة قال ابن الأثير: لما كان أخوه عماد الدولة علي بن بابويه يحارب ياقوتا قرب شيراز حتى هزمه وأخذ شيراز كان معز الدولة في ذلك اليوم من أحسن الناس أثرا.
مسير معز الدولة إلى كرمان وما جرى عليه لما تمكن عماد الدولة وأخوه ركن الدولة من بلاد فارس وبلاد الجبل وبقي أخوهما الأصغر معز الدولة بغير ولاية سيراه إلى كرمان سنة 324 في عسكر جرار فلما بلغ السيرجان استولى عليها وجبي أموالها وأنفقها في عسكره وكان إبراهيم الدواتي يحاصر محمد بن الياس بقلعة هناك فلما بلغه اقبال معز الدولة سار عن كرمان إلى خراسان فتخلص محمد بن الياس من القلعة وسار إلى مدينة بم وهي على طرف المفازة بين كرمان وسجستان فسار إليه معز الدولة على بم بعض أصحابه وسار إلى جيرفت وهي قصبة كرمان فلما قاربها اتاه رسول علي ابن الزنجي المعروف بعلي بن كلويه وكان هو واسلافه متغلبين على تلك النواحي فبذل لمعز الدولة مالا ليمتنع عن دخول البلد فلم يقبل فسار علي بن كلويه عنها نحو عشرة فراسخ وتمنع بمكان صعب المسلك ودخل معز الدولة جيرفت واصطلح هو وعلي وأخذ رهائنه وخطب له ثم أشار على معز الدولة بعض أصحابه بكبس بن كلويه فاصغى إلى ذلك لحداثة سنه وكانت لابن كلويه عيون فاخبروه بحركته فرتب رجاله بمضيق على الطريق فلما اجتاز بهم ثاروا به ليلا فقتلوا في أصحابه وأسروا ولم يفلت منهم الا اليسير وأصابته ضربات كثيرة ضربة منها بيده اليسرى قطعتها من نصف الذراع وضربة بيده اليمنى أسقطت بعص أصابعه وسقط مثخنا بالجراح بين القتلى وبلغ الخبر إلى أصحابه في جيرفت فهربوا بأجمعهم وفي الصباح تتبع ابن كلويه القتلى فرأى معز الدولة قد أشرف على التلف فاحضر له الأطباء وبالغ في علاجه واعتذر إليه وانفذ رسله إلى عماد الدولة يعتذر إليه ويعرفه غدر أخيه ويبذل من نفسه الطاعة فقبل طاعته واستقر بينهما الصلح وأطلق علي الأسرى وأحسن إليهم ووصل الخبر إلى محمد بن الياس فسار من سجستان إلى البلد المعروف بجناية فتوجه إليه معز الدولة ودامت الحرب بينهما عدة أيام فانهزم ابن الياس وعاد معز الدولة ظافرا وسار نحو ابن كلويه لينتقم منه فكبس عسكره في ليلة شديدة المطر فقتل ونهب وعاد وفي الصباح سار نحوهم فقتل كثيرا منهم وهرب علي وكتب معز الدولة إلى أخيه عماد الدولة بما جرى فامر بالوقوف وأرسل إليه قائدا من قواده يأمره بالعودة إليه إلى فارس فعاد إلى أخيه وأقام عنده بأصطخر إلى سنة 326.
استيلاء معز الدولة على الأهواز وكان رجل يسمى محمد بن رائق قد استولى على أمر العراق ولم يبق للخليفة معه أمر وكان رجل يدعى أبا عبد الله البريدي قد استولى على خوزستان ووقعت الوحشة بينه وبين ابن رائق فجهز ابن رائق قائدا لحرب البريدي اسمه بجكم وأصله مملوك فجرت حروب بين البريدي وابن رائق وفي آخرها انهزم البريدي وأتى إلى عماد الدولة واستجار به وأطمعه في ملك العراق وهون عليه أمر الخليفة وابن رائق فسير معه أخاه معز الدولة إلى الأهواز وترك البريدي ولديه رهينة عند عماد الدولة فبلغ بجكما نزولهم أرجان فسار لحربهم فانهزم بجكم وأقام بالأهواز وجعل بعض عسكره بعسكر مكرم فقاتلوا معز الدولة بها ثلاثة عشر يوما ثم انهزموا إلى تستر فاستولى معز الدولة على عسكر مكرم ثم ساروا إلى الأهواز ثم هرب البريدي من معز الدولة واستولى على جميع كور الأهواز سوى عسكر مكرم وأرسل إلى معز الدولة ان ينتقل إلى السوس لأن البريدي كان قد ضمن الأهواز والبصرة من عماد الدولة كل سنة بثمانية عشر ألف ألف درهم فامتنع معز الدولة من ذلك فانفذ بجكم جماعة من أصحابه فاستولى على السوس وجنديسابور وبقيت الأهواز بيد البريدي ولم يبق بيد معز الدولة سوى عسكر مكرم فضاق به الحال وأراد بعض جنده مفارقته فكتب إلى أخيه عماد الدولة بذلك فانفذ له جيشا استعاد به كور الأهواز وانهزم البريدي إلى البصرة وأقام بجكم بواسط طامعا في الاستيلاء على بغداد.
وفي سنة 331 وصل معز الدولة إلى البصرة فحارب البريديين وأقام عليهم مدة ثم استأمن جماعة من قواده إلى البريديين فاستوحش من الباقين فانصرف عنهم.
وفي سنة 332 سار الخليفة المتقي لله من بغداد إلى الموصل خوفا من المتغلبين على بغداد وكان قد تزوج ابنة ناصر الدولة الحمداني صاحب الموصل وكان رجل من الأتراك يقال له تورون قد جعله المتقي أمير الأمراء وكانت واسط في يده لما سار المتقي إلى الموصل جرت حروب بين تورون وسيف الدولة بن حمدان انهزم فيها سيف الدولة ودخل تورون الموصل.
فلما بلغ معز الدولة مسير تورون إلى الموصل سار هو إلى واسط لميعاد من البريديين ان يمدوه بعسكر في الماء فاخلفوا وعاد تورون من الموصل والتقى مع معز الدولة بموضع يقال له قباب حميد وطالت الحرب بينهما بضعة عشر يوما وأصحاب تورون يتأخرون والديلم يتقدمون إلى أن عبر تورون نهر ديالى وهو نهر يأتي من بلاد العجم ويصب في دجلة ووقف