فقال يا غلام ارفع عني الستر فرفعه ثم قال تمم القصيدة فلما فرغت قال ادن فدنوت ثم قال اجلس فجلست فقال يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء لولاها لفضلتك على نظرائك فاقر لي بذنوبك اعفها عنك، فقلت هذا رجل فقيه يريد أن يقتلني بحجة فقلت يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فانا مقر به فضربني بالمخصرة فقلت:
أصبر من ذي ضاغط عركرك * الفى بواني زوره للمبرك (1) فضربني ثانيا فقلت:
أصبر من عود بجنبه جلب * قد اثر البطان فيه الحقب (2) فقال قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة وأ لحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ورؤبة بن العجاج ولئن بلغني عنك ما أكره لأقتلنك قلت نعم فاتيت المدينة فاتاني رجل من الطالبيين فسلم علي فقلت تنح عني لا تشط بدمي. وكان ابن هرمة جوادا كريما متلافا وكان له كلاب إذا أبصرت الأضياف لم تنبح عليهم وبصبصت بأذنابها بين أيديهم فقال يمدحها:
ويدل ضيفي في الظلام على القرى * إشراق ناري أو نبيح كلابي حتى إذا واجهنه وعرفنه * فدينه ببصابص الأذناب وجعلن مما قد عرفن يقدنه * ويكدن أن ينطقن بالترحاب ونزل رجل ببنات ابن هرمة بعد موته فرأى حالة سيئة فقال لاحداهن قد كان أبوك حسن الحال فما ترك لكن فقال كيف يترك لنا شيئا وهو القائل:
لا غنمي مد في البقاء لها * الا دراك القرى ولا أبلي ومر رجل بمنزله فإذا بنية له تلعب بالطين قال أين أبوك قالت وفد إلى بعض الملوك الأجواد قال انحري لنا ناقة فانا أضيافك قالت والله ما عندنا قال فشاة قالت والله ما عندنا قال فدجاجة قالت والله ما عندنا قالت فأعطينا بيضة قالت والله ما عندنا قال فباطل ما قال أبوك:
كم ناقة قد وجات منحرها * بمستهل الشؤبوب أو جمل قالت فذلك الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شئ واجتاز نصيب بمنزل ابن هرمة فناداه يا أبا إسحاق فخرجت ابنته فقال أين أبوك قالت راح لحاجة انتهز فيها بزد الفئ قال فهل من قرى قالت لا والله فقال قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول:
لا اتبع العوذ بالفصال ولا * ابتاع الا قصيرة الاجل اني إذا ما البخيل امنها * تبيت صورا مني على وجل قالت ففعله والله ذاك بها أقلها عندنا وقال مرقع كنت مع ابن هرمة في سقيفة ابن أذينة فجاءه راع بقطعة من غنمه يشاوره فيما يبيع ويترك فقلت له يا أبا إسحاق أين عزب عنك قولك:
لا غنمي مد في الحياة لها * الا دراك القرى ولا أبلي لا اتبع العوذ بالفصال ولا * ابتاع الا قريبة الاجل كم ناقة قد وجات منحرها * بمستهل الشؤبوب أو جمل تصف نفسك بالسخاء والكرم وقرى الأضياف. فقال ما لك أخزاك الله أو لا جزاك الله خيرا ثم قال سن اخذ منها شيئا فهو له فانتهبناها ولم يبق شئ مع الراعي.
ووفد أهل الكوفة على معن بن زائدة لما ولاه المنصور آذربيجان فرأى معن هيئة رثة فانشا يقول:
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم * مرمتها فالدهر بالناس قلب فاحسن ثوبيك الذي أنت لابس * وأفره مهريك الذي ليس يركب وبادر بمعروف إذا كنت قادرا * زوال اقتدار أو غنى عنك يذهب فقال له رجل منهم أصلح الله الأمير أ لا أنشدك أحسن من هذا لابن عمك ابن هرمة فانشده:
وللنفس تارات يحل بها العزا * وتسخو عن المال النفوس الشحائح إذا المرء لم ينفعك حيا فنفعه * أقل إذ ضمت عليه الصفائح لاية حال يخبا المرء ماله * حذار غد والموت غاد فرائح قال معن أحسنت والله وإن كان الشعر لغيرك يا غلام أعطهم أربعة آلاف فقال الغلام يا سيدي دراهم أو دنانير قال والله لا تكون همتك ارفع من همتي صفرها لهم. ورئيت جارية للمنصور وعليها قميص مرقوع فقيل أنت جارية الخليفة وتلبسين هذا فقالت أ ما سمعتم قول ابن هرمة:
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه * خلق وجيب قميصه مرقوع وبعده:
أ وما تراني شاحبا متبذلا * كالسيف يخلق جفنه فيضيع فلرب لذة ليلة قد نلتها * وحرامها بحلالها مدفوع ويقال ان ابن هرمة كان يشرب مع أناس بأعلى السيالة وهي موضع بنواحي المدينة كان به منزله فقل ما عنده فذكر له أن حسن بن حسن بن حسن قد قدم السيالة فكتب إليه يذكر أن أصحابا له قدموا عليه وقد خف ما معهم ولم يذكر من شرابه شيئا وكتب في أسفل الكتاب:
اني استحيتك أن أقول بحاجتي * فإذا قرأت صحيفتي فتفهم وعليك عهد الله ان أخبرتها * أهل السيالة ان فعلت وإن لم فقال وأنا علي عهد الله إن لم أخبر بقصته أهل السيالة فيردعه أميرها ثم قال يا أهل السيالة هذا ابن هرمة يشرب بالشرف فعلم ابن هرمة فهرب.
شعره قد سمعت قول الخطيب في تاريخ بغداد أنه شاعر مفلق فصيح مسهب مجيد حسن القول سائر الشعر وقول علي بن عمر الحافظ أنه مقدم في شعراء المحدثين قدمه محمد بن داود بن الجراح على بشار وأبي نواس وغيرهما وقول الأصمعي أنه ختم الشعر به وهو آخر الحجج وفي فهرست ابن النديم عند تعداد الشعراء إبراهيم بن علي بن هرمة وشعره مجرد نحو مائتي ورقة وفي صنعة أبي سعيد السكري نحو خمسمائة ورقة وقد صنعه الصولي فلم يأت بشئ انتهى وكل صفحة من الورقة عشرون سطرا كما ذكره قبل ذلك.
وفي اعتناء العلماء بشعره ما يدل على مكانته فمن شعره قوله يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع: