فكر راجعا حتى قتل سنة 354 (1).
أما شعره: ففي الدرجة الأولى من المتانة والبلاغة، وهو مشهور بفخامة المعاني ومتانة المباني، ولم يدع بابا من أبواب الشعر إلا طرقه وأجاد فيه، وخصوصا الحكم والحماسة والمديح والفخر والعتاب (2)، وحوى شعره من الفلسفة والحكمة ما جرى على ألسنة الناس مجرى الأمثال (3)، واقتبس كثيرون من المنشئين معانيه، وحلوا شعره إلى نثر أدخلوه في نثرهم، كما فعل الصاحب بن عباد (4)، أو نظموه لأنفسهم كما فعل أبو بكر الخوارزمي وغيره.
مضى على شعره نحو ألف سنة ولا يزال موضع مناقشات أهل الأدب، وكثيرا ما اشتغلوا في تفسير أشعاره وحل مشكلها وعويصها، وألفت الكتب في ذكر جيده ورديئه، وتكلم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه (5)، والإفصاح عن أبكار كلامه، وتفرقوا فرقا في مدحه والقدح فيه والتعصب له وعليه (6)، وذلك دليل على وفور فضله وتقدمه على أقرانه، والكامل من عدت سقطاته والسعيد من حسبت هفواته.
وممن درس شعر المتنبي وبين حسنه وقبيحه (7) ونقده أبو منصور الثعالبي في الجزء الأول من يتيمة الدهر، فإنه بين حسناته وسيئاته مفصلا مع سائر أخباره في نحو مائة صفحة (8)، ولم يبق شاعر أو أديب جاء بعد المتنبي إلا انتقده.
وقد جمع ديوانه ورتب على الحروف، وشرحه كثيرون، وطبع في الهند ومصر والشام وغيرها، ومن شروحه المطبوعة: شرح الواحدي علي بن أحمد المتوفى