وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء * محبا على أني أحب وأغضب وأرمي وأرمي بالعداوة أهلها * وإني لأوذي فيهم وأؤنب.
فقال له الفرزدق: يا بن أخي أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي.
توفي سنة 126 وله ستون سنة، وكان يبلغ شعره لما مات 5289 بيتا (1).
79 - أبو الطيب المتنبي، أحمد بن الحسين بن عبد الصمد، الجعفي، الكندي، وبنو جعفي بطن من سعد العشيرة من القحطانية، فهو عريق بالعروبة، ولد بالكوفة سنة 303 في محلة تسمى: كندة، فنسب إليها، وليس هو من كندة القبيلة المعروفة، وكان أبوه من العامة يسقي الناس ويسمونه: عبدان السقاء، لكن أبا الطيب نشأ على طلب العلم والأدب، وكان قوي الحافظة، مطبوعا على الشعر، فلما ترعرع حمله أبوه إلى الشام ينتقل به من باديتها إلى حاضرتها، وأخذ العلم من أصحابه، فمهر أولا باللغة فحفظ غريبها وحوشيها وأشعار الجاهلية وغيرهم، واشتهر بالفصاحة والبلاغة، ونال من الشهرة الأدبية ما لم ينله سواه، فراجت سوق شعره بما أصابه من رغبة الملوك والأمراء فيه، فنظم القصائد في أغراض مختلفة، وفاق معاصريه على الإطلاق، فتسابق الملوك إلى استدعائه بالجوائز ففعل، وبدأ بسيف الدولة ابن حمدان، فقدم عليه سنة 337 ومجلسه حافل بفحول الشعراء، فأحرز المتنبي قصب السبق بقصائد سار بذكرها الركبان.
ثم فارق سيف الدولة وخرج إلى مصر مغضبا، لقضية صدرت، فاتصل بكافور الأخشيدي سنة 346 لما يعلم من عداوته لبني حمدان وامتدحه، ثم خرج من مصر مغضبا سنة 350 فأتى بغداد، ثم ذهب إلى بلاد فارس وامتدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي فأجزل عطاءه، ثم رجع من فارس سنة 354 قاصدا بغداد معه ابنه محسد وغلامه مفلح، حتى إذا كان بالقرب من النعمانية في موضع يقال له: الصافية في الجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول بينهما مسافة ميلين، عرض له فاتك ابن أبي الجهل الأسدي في عدة من أصحابه فاقتتلا، فأحس المتنبي بالضعف فعمد إلى الفرار، فقال له غلامه مفلح: لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاس والقلم.