ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما، ثم أعطاني البغلة.
وسار زيد حتى انتهى إلى الجسر ونادى أصحابه: والله لو كنت أعلم عملا أرضى لله من قتال هؤلاء لفعلته، وقد كنت نهيتكم أن لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، ولكني سمعتهم يسبون عليا (عليه السلام) فاقتلوهم من كل وجه، فوالله لا ينصرني رجل عليهم اليوم إلا أخذت بيده وأدخلته الجنة.
واشتد القتال، فكانت خيل أهل الكوفة لا تثبت لخيل أصحاب زيد، فبعث العباس بن سعيد المزني إلى يوسف بن عمر يستمده الرجال والخيل، فمده بسليمان بن كيسان الكلبي في القيقانية والنجارية وهم نشابة (1)، وحرص زيد حين انتهوا إليه أن يصرفهم نحو السبخة فلم يتمكن، وفي هذه الصدمة قاتل معاوية بن إسحاق حتى قتل، وكان زيد يتمثل:
أذل الحياة وعز الممات * وكلا أرآه طعاما وبيلا فإن كان لابد من واحد * فسيري إلى الموت سيرا جميلا ولما جنح الليل من ليلة الجمعة الثالثة من صفر سنة 121 ه رمي زيد بسهم غرب (2) أصاب جبهته ووصل إلى الدماغ، فرجع زيد ورجع أصحابه، ولم يظن أصحاب يوسف بن عمر إلا أنهم رجعوا للمساء والليل، وكان الرامي له مملوك ليوسف بن عمر اسمه راشد، ويقال من أصحابه اسمه داود بن كيسان.
وجاء بزيد أصحابه فأدخلوه بيت حران بن كريمة مولى لبعض العرب في سكة البريد (3) في دور أرحب وشاكر، وجاؤا بطبيب يقال له: شقير - وفي مقاتل أبي الفرج، اسمه: سفيان - فقال له الطبيب: إن نزعته من رأسك مت.
فقال: الموت أهون علي مما أنا فيه.