ولما ألقى المستشرق الفرنسي المشهور المسيو ماسنيون محاضرته عن الكوفة في الجامعة المصرية، لفت الأنظار إلى هذا الموضوع التاريخي المهم، وكان لها وقع جميل في نفوس المثقفين، مما دل على شغف الناس في تعرف تاريخ الكوفة هذه البلدة القديمة، وليس هذا مما يشفي العليل وينقع الغلة، أين المحاضرة الواحدة مهما كان صاحبها من تاريخ هذه البلدة العظيمة الكبيرة التي امتدت عدة قرون، شعلة من حروب وحركات سياسية وأدبية وعلمية إلى أن انطفأت مرة واحدة، على أنا لا نزال بحاجة إلى كتاب قديم يصح أن نعول عليه كسند تاريخي نحتج به.
إذن بماذا نسد هذه الحاجة، وأين لنا بالكتاب الذي يطمئن رغبة المولعين بالآثار القديمة؟
أظن - لأدنى تفكير - يذهب فكر القارئ لينجو من هذه الحيرة إلى اقتراح جمع المتفرقات فيما يخص الكوفة المبثوثة في غضون الكتب المتنوعة، فتؤلف تأليفا منسقا في كتاب واحد على شريطة ألا يقحم رأي المؤلف بين آراء القدماء، ولا يتصرف بأكثر من نقل أقوالهم وتنظيمها، وبذلك يهيأ كتاب قديم في أقواله وآرائه كما نروم، وإن كان حديثا في جمعه، فيتمكن به الباحث أن يصل إلى الحقائق مع الوقوف على حفريات الأثريين الحديثة، ويحقق الغرض الذي من أجله يعني المحققون بالكتب القديمة.
ولكن هل يظن المقترح أن من السهل تلبية مثل هذا الاقتراح؟ وكم تراه يحتاج إلى مجهود عظيم وسبر طويل في بطون الكتب التي لا حد لها، وكم يحتاج إلى أمانة في النقل ودقة في الملاحظة وإتقان في الوضع.
ومن حسن الصدف أو من توفيق الباحثين أن يلبي هذا الاقتراح قبل وقوعه، فيخرج لنا العلامة الأستاذ السيد محمد صادق آل بحر العلوم (1) هذا الكتاب الذي