عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٦٢٣
لتلك اللفظة أيضا ويتمم عمائره في اسرع وقت لعسفه وقوة مراسه على أرباب الاشغال والموانة ولا يطلبق للفعلة الرواح بل يحبسهم إلى الدوام إلى باكر النهار ويوقظونهم في اخر الليل بالضرب ويبتدؤن في العمل من وقت صلاة الشافعي إلى قبيل الغروب حتى في شدة الحر في رمضان وإذا ضجوا من الحر والعطش امرهم مشد العمارة بالشرب واحضرلهم السقاء ليسقهم وظن أكثر الناس ان هذه العمائر انما هي لمخدومه لأنه لا يسمع لشكوى أحد فيه واشتد في هذا التاريخ امر المساكن بالمدينة وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الاغراب وخصوصا المخالفين للملة فهم الان أعيان الناس يتقلدون المناصب ويلبسون ثياب الأكابر ويركبون البغال والخيول المسومة والرهوانات وامامهم وخلفهم العبيد والخدم وبأيديهم العصي يطردون الناس ويفرجون لهم الطرق ويتسرون بالجواري بيضاء وحبوشا ويسكنون المساكن العالية الجليلة يشترونها بأغلى الأثمان ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة ومنهم من عمر له دارا وصرف عليها الوفا من الأكياس وكذلك أكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها واخذها من أربابها بأي وجه وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع إلى اذلال المسلمين لأنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم وأعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير انكار ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلا فضاقت بالناس المساكن وزادت قيمتها اضعاف الاضعاف وأبدل لفظ الريال الذي كان يذكر في قيم الأشياء بالكيس وكذلك الاجر والامر في كل شئ في الازدياد والله لطيف بالعباد ولو اردنها استيفاء بعض الكليات فضلا عن الجزئيات لطال المقال وامتد الحال وعشنا ومتنا ما نرى غير ما نرى تشابهت العجما وزاد انعجامها نسأل الله حسن اليقين وسلامة الدين ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين والف استهل شهر المحرم بيوم الاثنين وفي أوائله حضر الباشا من الإسكندرية
(٦٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 618 619 620 621 622 623 624 625 626 627 628 ... » »»