قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة كما عرج بروح موسى، والله لا يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزيد شدقاه مما يوعد، ويقول.
فقام العباس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم: فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على الله من أن يميته إيما تتبين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين. وهو أكرم على الله من من ذلك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام، وتنكح، وطلق، وحارب، وسالم، وكان يرعى الغنم، يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدد حوضها بيده بأنصب، ولا أأدب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيكم أي قوم، فادفنوا صاحبكم.
قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن تبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إني والله ما أبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ ههنا (1).
وقال أبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول:
والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر - ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله (2).