الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا، ولم يعرف من حاله على شئ، وقول الجماعة أولى.
قوله: " عن عبدة بن أبي لبابة " بضم اللام والموحدتين الأولى خفيفة الأسدي كوفي نزل دمشق وكنيته أبو القاسم، ولا يعرف اسم أبيه. قال الأوزاعي: لم يقدم علينا من العراق أفضل منه.
قوله: " إن عبد الله بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح " هذا موقوف، وسيأتي شرحه في الذي بعده.
قوله: " كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلخ " أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت، ومن ثم قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار الإسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة مما يترجى من دخول غيره في الإسلام، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في " باب وجوب النفير " في الجمع بين حديث ابن عباس " لا هجرة بعد الفتخ " وحديث عبد الله بن السعدي " لا تتقطع الهجرة ".
وقال الخطابي: كانت الهجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب. وقال البغوي في (شرح السنة) ": يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله: " لا هجرة بعد الفتح " أي من مكة إلى المدينة، وقوله: لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن، وقوله: " لا تتقطع " أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم. قلت: الذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير، وبالشق الأخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " أي ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه، ومفهومه أنه لو قدر أن يبقى في الدنيا دار الكفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم. وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا، وهو إطلاق مردود، والله أعلم. قوله: " فمكث بمكة ثلاث عشرة " هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الإسناد قال: " أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرة " وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن عباس " أن إقامة النبي صلى الله عليه وسلمبمكة كانت خمس عشرة سنة " وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث، وسيأتي بقية الكلام عليه في الوفاة إن شاء الله تعالى. وقوله هنا: " فهاجر عشر سنين " أي أقام مهاجرا عشر سنين، وهو كقوله تعالى: (فأماته الله مائة عام).
وقوله: " فقال الناس أنظروا إلى هذا الشيخ " في حديث ابن عباس عند البلاذري في نحو هذا القصة " فقال له أبو سعيد الخدري " يا أبا بكر ما يبكيك " فذكر الحديث.
(٢) (مسلم بشرح النووي): ١٥ / ١٥٨ - ١٥٩، كتاب فضائل الصحابة، باب (١) من فضائل أبي بكر الصديق، حديث رقم (٢٣٨٢) قال القاضي: أصل الخلة الافتقار والانقطاع، فخليل الله تعالى المنقطع إليه، وقيل: لقصره حاجته على الله تعالى، وقيل: الخلة الاختصاص، وقيل الاصطفاء، وسمى إبراهيم عليه السلام - خليلا، لأنه وإلى في الله تعالى وعادى فيه، قول: سمي به لأنه تخلق بأخلاق حسنة وخلال كريمة. وخلة الله تعالى له نصرة، وجعله إماما لمن بعده، وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة يتخلل الأسار، وقيل أصلها المحبة. وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله. ومعنى الحديث: أن حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعا لغيره.
قال القاضي: وجاء في أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إلا أن وحبيب الله، فاختلف المتكلمون، هل المحبة أرفع من الخلة؟ أم الخلة أرفع من المحبة؟ أمه ما سواء؟ فقالت طائلة: هما بمعنى، فلا يكون الحبيب إلا خليلا، ولا يكون الخيل إلا حبيبا، وقيل: الحبى أرفع، لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم، وقيل: الخليل أرفع، وقد ثبتت خلة نبينا صلى الله عليه وسلم لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره.
(٣) (سنن الترمذي): ٥ / ٥٦٨، كتاب المناقب، باب (١٥) بدون ترجمة، حديث رقم (٣٦٦٠) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
والخوخة: باب صغير كالنافدة الكبيرة، وتكون بين بيتين، ينصب عليها باب عن التطريق إليها في خوخات إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي): ١٠ / ١٠٠، أبواب المناقب، باب (51) حديث رقم (3904).