رجع عن ذنبه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله. قال الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) (2) والمسلم بخلافه إذ كان ظننا بباطنه حكم بظاهره وخلاف ما بدا منه الآن، فلم يقبل بعد رجوعه، ولا استنمنا إلى باطنه إذ قد بدت سرائره وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لم يسقطها شئ.
وقيل: لا يسقط إسلام الذمي الساب قتله لأنه حق للنبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه لانتهاكه حرمته وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به فلم يكن رجوعه إلى الإسلام بالذي يسقطه كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإن لا نقبل توبة الكافر أولى.
قال مالك في كتاب ابن حبيب (المبسوط) وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن شتم نبينا صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة أو أحد من الأنبياء عليهم السلام: قتل إلا أن يسلم وقاله ابن القاسم في (العتبية) وعند محمد وابن سحنون وقال سحنون وأصبغ: لا يقال له أسلم ولا لا تسلم ولكن إن أسلم فذلك له توبة. وفي كتاب محمد أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب وروي لنا عن مالك: إلا أن يسلم الكافر. وقد روى ابن وهب عن ابن عمر أن راهبا تناول النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر: فهلا قتلتموه؟ وروى عيسى عن ابن القاسم في ذمي قال: إن محمدا لم يرسل إلينا إنما أرسل إليكم وإنما نبينا موسى أو عيسى ونحوه هذا لا شئ عليهم لأن الله تعالى أقرهم على مثله.
وأما إن سبه فقال: ليس بنبي، أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شئ تقوله أو نحوه هذا فيقتل. قال ابن القاسم: وإذا قال النصراني ديننا خير من دينكم إنما دينكم دين الحمير ونحوه هذا من القبيح، أو سمع المؤذن يقول:
أشهد أن محمدا رسول الله فقال: كذلك يعطيكم الله، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل.
قال: وأما إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إلا يسلم، قاله مالك غير مرة، ولم يقل: يستتاب.