الوجه التاسع: أن يذكر ما يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أو يختلف في جوازه عليه وما يطرأ من الأمور البشرية به، ويمكن إضافتها إليه، أو يذكر ما امتحن به وصبر في ذات الله تعالى على شدته من مقاساة أعدائه، وأذاهم له ومعرفة ابتداء حاله وسيرته، وما لقيه من بؤس زمته، ومر عليه من معاناة عيشه، كل ذلك على طريق الرواية ومذاكرة العلم ومعرفة ما صحت منه العصمة للأنبياء وما يجوز عليهم، فهذا من خرج عن هذه الفنون الستة، إذ ليس فيه غمص ولا يقص، ولا إزراء ولا استخفاف ولا في ظاهر اللافظ ولا في مقصد اللفظ، لكن يجب أن يكون الكلام فيه مع أهل العلم، وفهم طلبة الدين ممن يفهمون مقاصده، ويحققون فوائده ويجنب ذلك من عساه لا يفقه، أو يخشى به فتنته، فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف، لما انطوت عليه من تلك القصص، لضعف معرفتهن، ونقص عقولهن وإدراكهن، فقد قال صلى الله عليه وسلم مخبرا عن نفسه باستئجاره لرعاية الغنم في ابتداء حاله، فقال: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم.
وأخبرنا الله تعالى بذلك عن موسى عليه السلام، وهذا لا غضاضة فيه جملة واحدة، لمن ذكره على وجهه، بخلاف من قصده به الغضاضة والتحقير بل كانت عادة جميع العرب ترى في ذلك للأنبياء حكمه بالغة، وتدريج لله تعالى إلى كرامته وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خليقته، بما سبق لهم من الكرامة في الأزل، ومتقدم العلم، وكذلك ذكر الله تعالى يتمه وعيلته على طريق المنة عليه، والتعريف بكرامته له، فذكر الذاكر لها على وجه تعريف حاله والخبر عن مبتدئه، والتعجب من منح الله تعالى قبله، وعظيم منته عنده، ليس فيه غضاضه بل فيه دلالة على نبوته، وصحة دعوته، إذ أظهره الله تعالى بعد هذا على صناديد العرب ومن ناوأه من أشرافهم، شيئا فشيئا، ونمى أمره حتى قهرهم، وتمكن من ملك مقاليدهم، واستباحة ممالك كثير من الأمم غيرهم، بإظهار الله، تعالى له، وتأييده بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم، وإمداده بالملائكة المسومين، ولهذا قال هرقل حين سأل أبا سفيان عنه: هل في آبائه من ملك؟ ثم قال: ولو كان في آبائه ملك لقلنا رجل يطلب ملك أبيه!
وإذا اليتيم من صفته وإحدى علاماته في الكتب المتقدمة، وأخبار الأمم