يعطي الجزيل ولا يراه عنده * إلا كبعض عطية المحروم وأتيته يوما فقرب مجلس * وسقا فرواني من المذموم ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري رسولا إلى ملك الروم فاجتمع بجبلة بن الأيهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول فقال له جبلة لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنها منازلها وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا لرجعت إلى الشام فأخبر عبد الله بن مسعدة معاوية بقوله فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك فما أدركه البريد إلا وقد مات قبحة الله وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظر وأرخ وفاته هذه السنة أعني سنة ثلاث وخمسين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأكال الترجمة وأفاد ثم قال في آخرها بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة (1).
وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - فبينما هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلى أبي عبيدة الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة، قال: فليطمه، قالوا: وما يقتل؟ قال لا قالوا: فما تقطع يده قال:
لا، إنما أمر الله - تبارك وتعالي - بالقود، قال جبلة: أو ترون إني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق! بئس الدين هذا: ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان ابن ثابت: أبا الوليد أما علمت أن صديقك وجبلة بن الأيهم ارتد نصرانيا؟
قال: إنا الله وإنا إليه راجعون قال، ولم؟ قال: لطمة رجل من مزينة،