إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٩ - الصفحة ٥٦
السريانيين، يقال: ابن الكنعانيين، وولد [عليه السلام] بكوثى، وقيل: ولد بهرمزجرد، ثم انتقل إلى كوثى من أرض بابل، وأمه [عليه الصلاة والسلام] يونا بنت كرنيا بن كوثى، من بني أرفخشاذ بن سام، ويقال: بل اسمها أبيونا وأنها من ولد أفرام بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشاذ.
وكان أبوه (1) على أصنام الملك نمروذ، ولسانهم السريانية، وبينه عليه السلام، وبين نوح [عليه السلام] عشرة قرون، وولد ولأبيه من العمر سبعون سنة، وخرج به أبوه بعد ما تزوج بسارة، ومعه لوط فسكن حران، وبها [مات] أبوه.
وكان قد أراه الله تعالى ملكوت السماوات والأرض، وكاد أصنام قومه (2)، وحاجهم في إثبات الله تعالى (3)، فألقوه في النار، فصارت بردا

(1) عن مجاهد قال: آزر صنم، ليس بأبيه، وفي التوراة: " إبراهيم بن تارح ". وهذا قول مردود، فقد قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آذر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) [الأنعام: 74]، وهذا هو الحق. وقال بعضهم: آزر هو تارح، وأحدهما اسم، والآخر لقب، وليس ببعيد. (المرجع السابق).
(2) أخذ إبراهيم قدوما وأتاها ليلا وكسرها وعلق القدوم على عنق صنم الشمس وهو أكبرها - حيث قد كانوا سموها بأسماء الكواكب - فلما رأوها قالوا: (من فعل هذا بآلهتنا) [الأنبياء: 59]، قال رجل منهم: سمعت إبراهيم يذكرها، فأتوا إبراهيم فقالوا: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال لهم:
سلوا كبيرهم هذا (إن كانوا ينطقون) [الأنبياء: 63]. (المرجع السابق).
(3) عن كعب الأحبار قال: رأى إبراهيم عليه السلام قوما يأتون نمروذ الجبار فيصيبون منه طعاما، فانطلق معهم، فكان مر بالنمروذ رجل قال له: " من ربك؟ " قال: " أنت ربي "، وسجد له إعظاما له، فأعطاه حاجته، حتى مر به إبراهيم فقال: من ربك؟ قال: (ربي الذي يحيي ويميت) قال: (أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر) [البقرة: 258]، وخرج إبراهيم ولم يعطه شيئا، فعمد إبراهيم إلى تراب فملأ به وعاءه ودخل به منزله، وأمر أهله أن لا يحلوه، ووضع رأسه فنام، فحلت امرأته الوعاء فإذا هو أجود دقيق رأت. (المرجع السابق).
وقال محمد بن إسحاق: حدثني أبو الأحوص بن عبد الله قال: خرج قوم إبراهيم إلى عيد لهم فمروا عليه فقالوا: يا إبراهيم، ألا تخرج معنا؟ قال: (إني سقيم) [الصافات: 89]. وقد كان قبل ذلك قال: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) [الأنبياء: 57]. فسمعه إنسان منهم فلما خرجوا إلى عيدهم انطلق إلى أهله فأخذ طعاما ثم انطلق إلى آلهتهم فقر به إليهم (فقال ألا تأكلون * مالكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين) [الصافات: 91 - 93] فكسرها إلا كبيرا لهم، ثم ربط في يده الفأس الذي كسر به آلهتهم.
فجاهرهم عند ذلك وقال: (أتعبدون ما تنحتون)؟ [الصافات: 95]، (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله) [الأنبياء: 66 - 67]. (المرجع السابق).
عن عكرمة في قوله تعالى (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) [الأنبياء: 96] أن نار الدنيا كلها لم ينتفع بها أحد من أهلها، فلما أخرج الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار زاده الله في حسنه وجماله سبعين ضعفا.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: كانت البغال تتناسل، وكنت أسرع الدواب في نقل الحطب لحرق إبراهيم عليه السلام فدعا عليها، فقطع الله نسلها.
وكانت الضفادع مساكنها القفار فجعلت تطفئ النار عن إبراهيم عليه السلام فدعا لها فأنزلها الله الماء، وكانت الأوزاغ تنفث عليه النار فلعنها فصارت ملعونة، فمن قتل منها أجر. (المرجع السابق).
وعن ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: لما ألقي بإبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل. (المرجع السابق).
وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة قال: لما رأى الناس أن إبراهيم عليه السلام لا تحرقه النار قالوا: ما هو إلا عرق الندى وما نعرفه، ألا ترى ما تضره النار ولا تحرقه؟
فسمي عرق الندى. (المرجع السابق).
وقال مقاتل: أول من اتخذ المنجنيق نمروذ، وذلك أن إبليس جاءهم لما لم يستطيعوا أن يدنوا من النار التي أضرمها لرمي إبراهيم عليه السلام فيها، فقال: أنا أدلكم، فاتخذ لهم المنجنيق، صنعه له رجل من الأكراد يقال له: هبون. وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض، وجئ بإبراهيم عليه السلام فخلعوا ثيابه وشدوا رباطه، فوضع في المنجنيق، فبكت السماوات، والأرض، والجبال، والشمس، والقمر، والعرش، والكرسي، والسحاب، والريح، والملائكة، كل يقول: يا رب عبدك إبراهيم بالنار يحرق، فائذن لنا في نصرته، فقالت النار وبكت: يا رب سخرتني لبني أدم، وعبدك يحرق بي عليه السلام.
فأوحى الله إليهم أن عبدي إياي عبد، وفي جنبي أوذي، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم فانصروه. فلما رمى استقبله جبريل عليه السلام بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل، ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، حاجتي إلى الله ربي. (المرجع السابق).
قال الله تعالى: (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) [الأنبياء: 69]، فلو لم يخلط بالسلام لآذاه البرد، ودخل جبريل معه وإسرائيل، وأنبت الله تعالى حوله روضة خضراء، وبسط له بساط من درنوك [بسط] الجنة، وأتى بقميص من حلل جنة عدن فألبسه، وأجرى عليه الرزق غدوة وعشيا (المرجع السابق).
قال وهب: فلما رأوا الآية الباهرة، آمن منهم بشر كثير فأتى الجمع إلى نمروذ فقالوا: إن إبراهيم قد استمال الناس، وقد صبا إليه خلق كثير، فجمع نمروذ وزحف، يريد إبراهيم ومن معه، فأوحى الله إلى إبراهيم: ارحل بمن معك، فرفع بامرأته سارة وجميع من آمن به حتى بلغ مدين، فنزل، ونمروذ سائر بجموعه خلفه، فأرسل الله عليهم جندا من البعوض فأعمى أعين الدواب، ودخل خياشيم الرجال حتى ماتوا، وأبقى الله نمروذ، وقد دخلت خيشومه بعوضة فسكنت دماغه حتى كان أحب الناس إليه من ضرب رأسه ليكف عنه أكل البعوض. ثم هلك بعد ذلك. (المرجع السابق).
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 56 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في ذكر عمرات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها بعد هجرته 3
2 عمرة القضاء 17
3 عمرة الجعرانة 22
4 فصل في ذكر حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة 25
5 فصل في ذكر من حدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم 38
6 فأما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جلت قدرته 38
7 وأما الأحاديث الإلهية 46
8 وأما الحكمة وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 48
9 وأما مجيء الجبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 51
10 وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة 52
11 وأما الملك الذي نزل بتصويب الحباب 52
12 وأما اجتماعه بالأنبياء ورؤيتهم في ليله الإسراء 53
13 وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام 53
14 وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الدارس 62
15 وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة 68
16 وأما حديثه صلى الله عليه وسلم عن أبي كبشة 70
17 فصل في ذكر من حديث وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه 70
18 إسلام الجن وإنذارهم 70
19 وأما الصحابة رضوان الله عليهم 81
20 أما المهاجرون 85
21 ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 87
22 وأما السابقون الأولون 88
23 وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم 91
24 وأما المستضعفون الذين عذبوا في الله 105
25 وأما المهاجرون إلى الحبشة 115
26 وأما من أسلم قبل الفتح 117
27 وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان 121
28 وأما رفقاؤه النجباء 128
29 وأما أهل الفتيا من أصحابه صلى الله عليه وسلم 130
30 فصل في ذكر أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم 169
31 فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج بيثرب 171
32 فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج 175
33 فصل في ذكر ما أكرم الله تعالى به الأوس والخزرج 178
34 أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت 184
35 ثم لقى صلى الله عليه وسلم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بني عبد الأشهل 185
36 وكان من خبر يوم بعاث 187
37 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وهجرته إلى المدينة 193
38 فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة 204
39 فصل في ذكر من بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقهم في الدين 206
40 عقوبة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 209
41 فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 221
42 وأما وصاياه صلى الله عليه وسلم 222
43 فصل في ذكر أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم 223
44 فأما اعتذاره عن التخلف 223
45 فصل في ذكر من أستخلفه رسول اله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة 226
46 فصل في ذكر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيوشه عند عودته صلى الله عليه وسلم 228
47 فصل في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب 237
48 فصل في ذكر شورة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه 240
49 فصل في ذكر ما كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا 267
50 فصل في ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها 268
51 فصل في وقت إغارة رسول الله صلى الله عليه وسلم 269
52 فصل في ذكر الوقت الذي يقاتل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم 271
53 فصل في ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين في محاربتهم 272
54 فصل في ذكر شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروبه 275
55 فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم 277
56 فصل في ذكر ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة 279
57 فصل في ذكر من جعله النبي صلى الله عليه وسلم على مغانم حروبه 290
58 فصل في ذكر من كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم 301
59 فصل في ذكر من حدا برسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره 302
60 فصل في ذكر وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم 318
61 فصل في ذكر صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم 322
62 فصل في ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختم به 335
63 فصل في ذكر ما كان يختم به رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه 337
64 فصل في ذكر صاحب خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم 338
65 فصل في ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة الجيش وقسمة العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم 339
66 فصل في ذكر ما أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرضية ونحوه 358
67 فصل في ذكر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية والخراج 365
68 فصل في ذكر عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية 375
69 فصل في ذكر عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزكاة 376
70 فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 380
71 فصل في ذكر الخارص على عهد رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم 381
72 فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة، ومتوليها له المحتسب 386