تسعى] (1) عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون، فلما رآها (2) فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل. ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء، يعني من غير برص. ثم ردها فعادت إلى لونها الأول. فاستشار الملا حوله فيما رأى فقالوا له (هذان ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب، وقالوا له: إجمع السحرة فإنهم بأرضك كثير، حتى تغلب بسحرك سحرهما. فأرسل إلى المدائن فحشر به كل ساحر متعالم (2) فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل [هذا الساحر]؟ (3) قالوا: يعمل بالحيات، قالوا: فلا والله ما أحد [في (4) الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل، وما أجرنا إن نحن غلبنا؟
قال: لهم: أنتم أقاربي وخاصتي، وأنا صانع إليكم كل شئ أحببتم فتواعدوا (يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) قال سعيد: فحدثني ابن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء. فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الامر لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين يعنون موسى وهرون استهزاء بهما فقالوا يا موسى بعد تريثهم بسحرهم (إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) [الأعراف: 115] قال بل ألقوا (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة فأوحى الله إليه (أن ألق عصاك) فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها فجعلت العصى تلتبس بالحبال حتى صارت جرزا على الثعبان أن تدخل فيه (5) حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته.
فلما عرف السحرة ذلك، قالوا: لو كان هذا سحرا لم يبلغ (6) من سحرنا كل هذا، ولكنه أمر من الله تعالى، آمنا بالله وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله مما كنا عليه. فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه وظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وامرأة فرعون بارزة مبتذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمها لموسى فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة، كلما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا مضت أخلف من غده، وقال: هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ فأرسل الله على قومه الطوفان والجراد