هل تسمعين له ذكرا؟ أحي ابني أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت ما كان الله وعدها فيه (فبصرت به) أخته (عن جنب وهم لا يشعرون) والجنب أن يسمو بصر الانسان إلى شئ بعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به. فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤرات أنا (أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) [فأخذوها] (1) فقالوا ما يدريك ما نصحهم [له] (2) هل [تعرفينه] (3) حتى شكوا في ذلك. وذلك من الفتون - يا ابن جبير - فقالت: نصحهم إله وشفقتهم عليه ورغبتهم في صهر الملك ورجاء منفعة الملك. فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، فجاءت أمه، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا، وانطلق البشير إلى امرأة فرعون يبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئرا. فأرسلت إليها فأتت بها وبه. فلما رأت ما يصنع بها قالت: امكثي ترضعي ابني هذا، فإني لم أحب شيئا حبه قط، قالت أم موسى: لا أستطيع أن أترك بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه، فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا، فعلت، فإني غير تاركة بيتي وولدي وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون، وأيقنت أن الله منجز موعوده، فرجعت إلى بيتها من يومها وأنبته الله نباتا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه.
فلم يزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية ممتنعين من السخرة والظلم. ما كان فيهم، فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لام موسى: أزيريني ابني فوعدتها يوما [تزيرها] (4) إياه فيه، وقالت امرأة فرعون لخزانها وظئورها وقهارمتها، لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة لارى ذلك فيه، وأنا باعثة أمينا يحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل (5) تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون. فلما دخل عليها نحلته وأكرمته وفرحت به ونحلت أمه بحسن أثرها عليه. ثم قالت لآتين به فرعون فلينحلنه وليكرمنه، فلما دخلت به عليه جعله في حجره، فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض، فقال الغواة من أعداء الله لفرعون: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه؟ أنه زعم أن يرثك ويعلوك ويصرعك، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه. وذلك من الفتون - يا بن جبير - بعد كل بلاء ابتلى به وأريد به، فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون. فقالت ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟ فقال: ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني؟ فقالت: اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق، أئت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه! فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه