تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٠ - الصفحة ٣٣٩
سمعته غير مرة يقول: رأيت قائلا يقول لي: كن تبعا إلا في ثلاثة: في الزهد، والورع، والجهاد.
وحج نحوفا من ثلاثين حجة ماشيا. وبلغني عنه أنه حج في بعضها، ولم ينم في تلك المدة حتى) خرج من الحج. ثم إنه ترك الحج، وسكن مشهدا قريبا من حران، واشتغل بعمارة رحى هناك.
ورتب الضيافة لكل وارد خبزا ولحما وشهوات.
وكان سبب ذلك كما حكى لي قال: كنت أنا وآخر في الشام، فجعنا جوعا شديدا، ثم جئنا إلى قرية، فصنع لنا إنسان طعاما وقدمه إلينا، فجعلنا نأكل وهو حار، فلما رأى شراهتنا في الأكل مع حرارته قال: أرفقوا فهو لكم. فاعتقد أنه لو كان لذلك الرجل ذنوب مثل الجبال لغفرت لما صادف من إشباع جوعنا. فرأيت أن حجي ليس فيه منفعة لغيري، وأني لو عملت موضعا يستظل به إنسان كان أفضل من حجي.
وكان مع ذلك يكره كثرة العلائق ويقول: لو قيل لي في المنام أنك تصير إلى هذا المال ما صدقت.
وبنى عند المشهد خانا للسبيل، وكان يعمل عامة نهاره في الحر والغبار، ويقول: لو أن لي من يعمل معي في الليل لعملت.
وعمل لنفسه رحى، وكان يتقوت منه باليسير، ويخرج الباقي في البر.
دخلت عليه في بيته مرارا وهو يتعشى، فما رأيته جالسا في سراج قط، ولا كان تحته حصير جيد قط ولا فراش، بل حصير عتيق، تحته قش الرز.
وحضرت يوما معه في مكان، فلما حضر وقت الغداء جلسنا نتغدى، وأخرج رغيفا كان معه، فأكل نصفه، وناولني باقيه، وقال: ما بقي يصلح لي، آكل شيئا ولا أعمل شيئا.
وقال لي: وددت أني لآتي مكانا لا أخرج منه حتى أموت.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 » »»