يبخسكم شيئا من حقوقكم؟ فناداهم عبد الله بن عباس بذلك، فقالت طائفة منهم: والله لا نجيبه. وقالت الأخرى: والله لنجيبنه ثم لنخصمنه، نعم، يا ابن عباس، نقمنا على علي خصالا كلها موبقة لو لم نخصمه منها إلا بخصلة خصمناه، محا اسمه من امرة أمير المؤمنين يوم كتب إلى معاوية، ورجعنا عنه يوم صفين، فلم يضربنا بسيفه حتى نفئ إلى الله، وحكم الحكمين، وزعم أنه وصي، فضيع الوصية، وجئتنا يا ابن عباس في حلة حسنة جميلة تدعونا إلى مثل ما يدعونا إليه؟
فقال ابن عباس: قد سمعت، يا أمير المؤمنين، مقالة القوم، وأنت أحق بالجواب. فقال: حججتهم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، قل لهم: ألستم راضين بما في كتاب الله، وبما فيه من أسوة رسول الله؟ قالوا: بلى! قال:
فعلي بذلك أرضى. كتب كاتب رسول الله يوم الحديبية، إذ كتب إلى سهيل ابن عمرو وصخر بن حرب ومن قبلهما من المشركين: من محمد رسول الله، فكتبوا إليه: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، فاكتب إلينا: من محمد بن عبد الله لنجيبك، فمحا رسول الله اسمه بيده، وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي وأمري، فكتب: من محمد بن عبد الله، وكذلك كتب الأنبياء كما كتب رسول الله إلى الآباء، ففي رسول الله أسوة حسنة.
وأما قولكم إني لم أضربكم بسيفي يوم صفين حتى تفيئوا إلى أمر الله، فإن الله عز وجل يقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وكنتم عددا جما، وأنا وأهل بيتي في عدة يسيرة.
وأما قولكم إني حكمت الحكمين، فإن الله عز وجل حكم في أرنب يباع بربع درهم. فقال: يحكم به ذوا عدل منكم، ولو حكم الحكمان بما في كتاب الله لما وسعني الخروج من حكمهما.
وأما قولكم إني كنت وصيا فضيعت الوصية، فإن الله عز وجل يقول: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله