إني لأساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات، وهو إذ ذاك عامل لعمر، فجعل يحدثني، فقال: إن بني إسرائيل لم تزل الفتن ترفعهم وتخفضهم أرضا بعد أرض، حتى حكموا ضالين أضلا من اتبعهما. قلت: فإن كنت يا أبا موسى أحد الحكمين، قال فقال لي: إذا لا ترك الله لي في السماء مصعدا، ولا في الأرض مهربا إن كنت أنا هو. فقال سويد: لربما كان البلاء موكلا بالمنطق. ولقيته بعد التحكيم، فقلت: إن الله إذا قضى أمرا لم يغالب.
وانصرف علي إلى الكوفة، فلما قدمها قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! إن أول وقوع الفتن هوى يتبع، وأحكام تبتدع، يعظم فيها رجال رجالا، يخالف فيها حكم الله، ولو أن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى ولكن يؤخذ ضغث من ذا وضغث من ذا، فيخلط فيغمل (فيعمل) به، فعند ذلك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى.
وصارت الخوارج إلى قرية يقال لها حروراء بينها وبين الكوفة نصف فرسخ، وبها سموا الحرورية، ورئيسهم عبد الله بن وهب الراسبي، وابن الكوا، وشبث بن ربعي، فجعلوا يقولون: لا حكم إلا لله، فإذا بلغ عليا ذلك قال: كلمة حق أريد بها باطل. ثم خرجوا في ثمانية آلاف، وقيل: في اثني عشر ألفا، فوجه إليهم علي عبد الله بن عباس، فكلمهم، واحتجوا عليه، فخرج إليهم علي فقال: أتشهدون علي بجهل؟ قالوا: لا! قال:
فتنفذون أحكامي؟ قالوا: نعم! قال: فارجعوا إلى كوفتكم حتى نتناظر، فرجعوا من عند آخرهم، ثم جعلوا يقومون فيقولون: لا حكم إلا لله، فيقول علي: حكم الله أنتظر فيكم. وخرجوا من الكوفة، فوثبوا على عبد الله ابن خباب بن الأرت، فقتلوه وأصحابه، فخرج إليهم علي، فناشدهم الله، ووجه إليهم عبد الله بن عباس، فقال: يا ابن عباس قل لهؤلاء الخوارج ما نقمتم على أمير المؤمنين؟ ألم يحكم فيكم بالحق، ويقيم فيكم العدل، ولم