العثمانية - الجاحظ - الصفحة مقدمة المحقق ١٠
قدر الكتاب:
لو لم يكن من قدر هذا الكتاب إلا أنك تقرأ من قلم الجاحظ ثمانين صفحة ومائتين لكفى ذلك فضلا له، فإن ما كتبه الجاحظ في كتابيه " الحيوان " و " البيان والتبين " يعد بالنسبة إلى النصوص والنقول التي حشدها في ذينك الكتابين شيئا ليس بالغالب. وأما العثمانية فهي صوغ كريم للجاحظ. ومتاع لدارس المسائل الدينية، والقضايا التاريخية والسياسية التي نجمت في فجر الاسلام وأوائل الدول الاسلامية. وهو كذلك معرض كبير للجدال والحجاج الفكري في عصر من أزهى العصور الاسلامية الأولى.
نقض العثمانية:
ظهر كتاب العثمانية في زمان كثر فيه الجدال والنزاع حول العصبية الدينية والسياسية، وكان المعتزلة في أوج قوتهم ونشاطهم. ويبدو كذلك أن الحرية الفكرية لم تكن تلقى من القيود ما يكفكف من غربها. فالجاحظ نفسه يقول في العثمانية (1) معبرا عن زوال التقية وانطلاق الفكر بقوله:
" ولو لم أكن على ثقة من ظهور الحق على الباطل لم استحل كتمانه مع زوال التقية، وصلاح الدهر، وإنصاف القيم ".
لذلك وجدنا العثمانية تلقى من ينقضها في حياة الجاحظ. ومن العجب أن الذي ينقض العثمانية وهو شيخ من شيوخ المعتزلة البغداديين ورؤسائهم. وأهل الزهد والديانة منهم، ممن يذهب إلى تفضيل علي عليه السلام، وإلى القول بإمامة المفضول كما يقول المسعودي (2)، وذلك الناقض هو أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي.
وقد عده قاضى القضاة (3) في الطبقة السابعة من المعتزلة، مع عباد بن سليمان الصيمري،

(١) العثمانية ص ١٥٤.
(٢) مرج الذهب ٣: ٢٥٣ - ٢٥٤.
(٣) هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الاسترآباذي. كان شيخ المعتزلة في عصره، وهم يلقبونه قاضى القضاة. ولا يطلقون هذا اللقب على غيره. ومات بالري سنة ٤١٥، تاريخ بغداد ١١: ١١٣ والرسالة المستطرفة 120.
(مقدمة المحقق ١٠)