العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٥٤
ولولا أن خلفاء النبي صلى الله عليه في غزواته يصاب عليهم (1) بكل مكان، وفى كل سيرة، لقد كتبته لك في كتابي الذي رددت فيه على من صغر قدر الإمامة وزعم أنها غير واجبة، وأنها تصلح في العدد الكثير. وأما غير ذلك من كتبي فلم أنتحل فيه قولي، وجعلت الكتاب هو الذي عبر عن نفسه، وقمت مقام جميع الخصوم. وجعلت نفسي عدلا بينهم. ولو لم أكن على ثقة من ظهور الحق على الباطل لم أستحل كتمانه مع زوال التقية، وصلاح الدهر، وإنصاف القيم.
ثم رجعنا إلى كلامنا الأول فقلنا: لابد لخلافة الرجل من إحدى منزلتين: إما في الحياة أو بعد الموت: فأما في الحياة فلا يستطيع أحد أن يقول: إن النبي صلى الله عليه استخلف عليا في حياته. وليس يضع ذلك من على، لان أبا بكر وعمر الذين هما عندنا أولى بالامر منه.
لم يستخلفهما النبي صلى الله عليه قط في حياته. أو تكون الخلافة بعد الموت فلا يجوز أيضا أن يكون النبي صلى الله عليه عنى بقوله " أنت منى بمنزلة هارون من موسى " الخلافة لعلى بعده والذي قد علم أن هارون قد مات قبل موسى: لان هارون وموسى وأمهما ماتوا جميعا في شهر واحد، وكان موسى صلى الله عليه آخرهم موتا. ولذلك قالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلت هارون (2) فإن قالوا: ومن يقول: إن هارون مات قبل موسى؟
قيل لهم: إن شئتم فاعترضوا أصحاب التفسير والسيرة، والتمسوا علم

(1) أي يوقع عليهم. وفى اللسان: " صابوا بهم: وقعوا بهم ".
(2) انظر كامل ابن الأثير 1: 111 ففيه قصة وفاة هارون، وانظر كذلك سفر العدد 20: 28، 29.
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»