العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢١٥
فمن ذلك أنه لما أتى بسيف كسرى وقبائه ومنطقته ألبسه سراقة ابن مالك بن جعشم، ثم قال له: أدبر، ثم قال له: أقبل، فلما أقبل عليه عمر وعنده الناس فقال: أما والله لرب يوم لو كان هذا من كسرى وآل كسرى لكان شرفا لك ولقومك، في أمور كثيرة من هذا الضرب لم يكن عمر لينطق بحرف منها وحربهم مخوفة، ونفوس العرب لهم هائبة.
وهكذا تدبير الخلفاء ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولو كانوا إذا لم يفهموا عن الأئمة لم يعترضوا عليهم ولم يخطئوهم ولم يجهلوهم كان أيسر.
ولا أعلم في الأرض جيلا أجهل بهذا وشبهه ممن ينتحل اسم الكلام وينصب نفسه للخصومات. ثم الروافض خاصة، ليس يعرفون من أمر الامام إلا أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون.
ومن الدليل على ما وصفنا به عمر، قوله لسعد بن أبي وقاص حيث وجهه إلى القادسية وأوصاه، قال: يا سعد سعد بن وهيب (1) إن الله عز وجل إذا أحب عبدا حببه إلى الناس، فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك أن يقال خال رسول الله صلى الله عليه، فإن الناس في ذات الله سواء.
فأي قول أجمع وأدل، وأي فعل أشبه بالذي حكينا عنه من التسوية، من هذه الأقاويل (2) والأفاعيل.

(1) هو سعد بن مالك بن وهيب - أو أهيب - بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب انظر ما مضى في ص 56.
(2) في الأصل: " الاوايل ".
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»