العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢١٤
فهكذا كانت عطاياه، وهكذا كان تدبيره فيما نقلت العلماء وروت الفقهاء، ولا يشك في ذلك صاحب خبر، ولا يدفعه صاحب أثر.
فأما ما ذكروا من تهجينه أمر العجم. وتعظيمه أمر العرب، فإنما كان ذلك لأنه لما ندب الناس إلى قتال كسرى والأساورة تثاقلت عن ذلك العرب والاعراب وجميع المهاجرين والأنصار، هيبة لناحية كسرى والفرس، وخفوا لغزو الروم ونشطوا له، حتى انتدب أبو عبيد الثقفي أول من انتدب، فلذلك عقد على كبار المهاجرين الأولين، والأنصار، والبدريين، فلم يكن له هم إلا تصغير أمرهم وتهجين شأنهم والحط من أقدارهم ليرد ذلك من نفوس العرب.
وهكذا ينبغي أن يكون تدبير المدبر.
أو ما علمت أن المغيرة بن شعبة لما سمع قيس بن مكشوح يقول حين عاين الفرس: وما رأيت كاليوم حديدا ولا عديدا! وهذا يوم القادسية، وقد كان قيس شهد قبل القادسية حروب الروم، وقيس يومئذ على الخيل، والمغيرة على الرجالة، فأقبل عليه المغيرة منتهرا له وهو يقول: إنما هذا زبد من زبد الشيطان (1)!
وقد كان المغيرة قد عاين مثل الذي عاين قيس، ولكن التدبير كان غير الذي ذهب إليه قيس.
ومن الدليل على ما وصفنا من تدبير عمر، تركه الاستخفاف بأقدار العجم وإظهار احتقارهم والإزراء بهم، بعد جلولاء (2).

(1) الزبد، بالفتح: الرفد والعطاء.
(2) كان بها الوقعة المشهورة للمسلمين على الفرس سنة 16 قتلوا منهم مائة ألف.
معجم البلدان والطبري 4: 179.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»