العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٨٨
وقد ينبغي لمن بلغ من صدق نيته وفرط اجتماع لبه (1) وشدة عزيمته أن يتكلم في دار التقية (2) لا في دار العلانية، حتى خاطر بنفسه وبكل شئ يهوله، ومن شأنه أن يفهم الحجة. ويوضح الموعظة، ويبين عن موضع المظلمة، وإلا فسكوته (3) أحسن من الفارسية.
وكيف فهمت معناه العرب وهى لا تعرف (4) من الفارسية قليلا ولا كثيرا، ولم يكن للنبي صلى الله عليه ترجمان يعبر عنه للفرس فيكون ذلك الترجمان كان حاضرا لكلامه، فيفسر للناس معناه.
وكيف نقلت عنه الصحابة إلى التابعين وكل من كان بحضرة القوم حين بايعوا أبا بكر لا يفهمون الفارسية، ويكون سلمان حين تكلم بها استرابوا عندها فسألوه عنها ففسرها. ولو كان ذلك كذلك لحكاه الذين نقلوا الحديث، فكان ذلك أحب إلى الروافض، لانهم إنما نقلوه ليعرفوا من كان الطاعن على أبى بكر. والطعن كلما كثرت فيه المراجعة والمناقضة، وطال سببه، وعرف علمه، كان أدل على الشهرة والاستفاضة، وأن الامر كان حقا معروفا.
فواحدة أن الامر لو كان كذلك لكانت الروافض أسرع الناس إلى حكايته، لتستشهده على الدعوى، والتقوى به الحديث، وتشد به الحجة.

(1) اللب: ما جعل في قلب الرجل من العقل. في الأصل: " له ".
(2) بعد هذه الكلمة في الأصل ورقة بأكملها يبدو أنها قفزت إلى هذا الموضع من نهاية الكتاب فرددتها إلى موضعها هناك منبها عليه.
(3) في الأصل: " وإلا بسكوته ".
(4) في الأصل: " وهو لا يعرف ".
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»